أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

9204 - ﴿وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾

07-10-2018 2046 مشاهدة
 السؤال :
ما هو تفسير قول الله تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9204
 2018-10-07

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾. هِيَ في حَقِّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، كَمَا في الآيَةِ السَّابِقَةِ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾. عِنْدَمَا يُلْقَى في نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾.

وفي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا».

وروى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إِلَهَاً آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِينَ».

فَالحَقُّ سُبْحَانَهُ وتعالى يَتَحَدَّثُ عَنِ الجَبَّارِينَ المُعَانِدِينَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ﴾. يَعْنِي مِنْ أَمَامِهِ جَهَنَّمُ ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾. الصَّدِيدُ هُوَ المَاءُ الرَّقِيقُ الذي يَخْرُجُ مِنَ الجُرْحِ، وَهُوَ القَيْحُ الذي يَسِيلُ مِنْ أَجْسَادِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ تُشْوَى جُلُودُهُمْ.

وَهَذَا الجَبَّارُ العَنِيدُ يَتَجَرَّعُ هَذَا الصَّدِيدَ، يَأْخُذُهُ جُرْعَةً جُرْعَةً، وَلَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْتَلِعَهُ بِسُهُولَةٍ، لِسُوءِ طَعْمِهِ وَشَكْلِهِ وَرِيحِهِ، وَمَعَ كُلِّ هَذَا: ﴿وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾. يَعْنِي يَنْظُرُ هَذَا الجَبَّارُ العَنِيدُ، فَيَرَى المَوْتَ مُحِيطَاً بِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، لَكِنَّهُ لَا يَمُوتُ، وَيُفَاجَأُ بِأَنَّ العَذَابَ يُحِيطُ بِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، مِصْدَاقَاً لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾.

عَذَابٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى لَا يُطَاقُ وَلَا يُحْتَمَلُ، لِأَنَّ أَخَفَّ النَّاسِ عَذَابَاً رَجُلٌ يَغْلِي دِمَاغُ رَأْسِهِ مِنْ جَمْرَتَيْنِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ».

فَكَيْفَ إِذَا كَانَ العَذَابُ غَلِيظَاً وَمُضَاعَفَاً. أَجَارَنَا اللهُ مِنْ ذَلِكَ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2046 مشاهدة