أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8796 - «إِذَا رَأَيْتَ شُحَّاً مُطَاعَاً»

03-04-2018 14739 مشاهدة
 السؤال :
يرجى شرح الحديث الشريف: «إِذَا رَأَيْتَ شُحَّاً مُطَاعَاً، وَهَوَىً مُتَّبَعَاً، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلَاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ».
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8796
 2018-04-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ رَوَى أَبُو داود عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ، كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾؟

قَالَ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرَاً، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحَّاً مُطَاعَاً، وَهَوَىً مُتَّبَعَاً، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ».

هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ فِيهِ حَضٌّ عَلَى الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، لَا كَمَا يَفْهَمُهُ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ، بِأَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا اهْتَدَى لَا يَضُرُّهُ ضَلَالُ غَيْرِهِ إِذَا ضَلَّ، وَأَنَّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ لَيْسَ وَاجِبَاً.

الأَمْرُ عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، يَجِبُ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، وَلُا يُمْسِكُ الإِنْسَانُ عَنِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَيَتَعَلَّلُ بِأَنَّهُ قَدِ اهْتَدَى، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَى، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ قَدْ أَدَّى الذي عَلَيْهِ، وَيَكُونُ مَأْجُورَاً عَلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَإِنْ حَصَلَتِ اسْتِجَابَةٌ فَهُوَ المَطْلُوبُ، وَهُوَ خَيْرٌ عَلَى خَيْرٍ، وَإِلَّا قَامَ بِالذي عَلَيْهِ، وَعِنْدَهَا لَا يَضُرُّهُ مَنْ ضَلَّ.

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحَّاً مُطَاعَاً»: يَعْنِي: أَنَّ النَّاسَ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الشُّحُّ وَالحِرْصُ عَلَى المَالِ، وَالتَّنَافُسُ في تَحْصِيلِهِ، وَالشُّحُّ: بِمَعْنَى البُخْلِ، بَلْ هُوَ أَشَدُّ البُخْلِ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾.

وَالبُخْلُ عَامٌّ وَخَاصٌّ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ البُخْلِ؛ وَيُقَالُ لَهُ: شُحٌّ، وَلَيْسَتْ كُلُّ أَفْرَادِ البُخْلِ شُحَّاً، وَإِنَّمَا يُقَالُ للجَمِيعِ بُخْلٌ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا كَانَ أَشَدَّ مِنْ غَيْرِهِ شُحٌّ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَهَوَىً مُتَبَّعَاً»: يَعْنِي: أَنَّ النَّاسَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَلَمْ يَتَّبِعُوا مَا جَاءَ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ أَعْرَضُوا عَنْ كِتَابِ اللهِ وَعَنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَدُنْيَاً مُؤْثَرَةً»: يَعْنِ: أَنَّ النَّاسَ يُؤْثِرُونَهَا وَيَحْرِصُونَ عَلَيْهَا، وَيُؤْثِرُونَ العَاجِلَةَ عَلَى الآجِلَةِ، وَيُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَلَا يَهْتَمُّونَ بِالآجِلَةِ، بَلْ تَرَى الإِنْسَانَ يُؤْثِرُ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ، وَيَحْرِصُ عَلَيْهَا وَيَغْفَلُ عَنِ الآخِرَةِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ»: أَيْ: أَنْ يُعْجَبَ الإِنْسَانُ بِرَأْيِهِ وَلَا يُعَوِّلَ عَلَى نُصُوصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا يُعَوِّلُ عَلَى رَأْيِهِ، وَالحَقُّ هُوَ التَّعْوِيلُ عَلَى مَا جَاءَ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِطْرَاحُ الآرَاءِ إِذَا كَانَتْ مُخَالِفَةً لِمَا جَاءَ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ»: يَعْنِي: عِنْدَ ذَلِكَ عَلَيْكَ أَنْ تَجْتَهِدَ في خَلَاصِكَ وَنَجَاتِكَ، وَتَدَعَ عَنْكَ النَّاسَ، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ الجَدْوَى وَالفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ هَذِهِ الأُمُورُ التي انْشَغَلُوا بِهَا عَنِ الاسْتِجَابَةِ وَالالْتِزَامِ بِمَا جَاءَ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ»: يَعْنِي: إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَاً الصَّبْرُ فِيهَا عَظِيمٌ، وَمِمَّا يَحْصُلُ مِنْ فِتَنٍ في تِلْكَ الأَيَّامِ فَالقَابِضُ عَلَى دِينِهِ فِيهَا كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ، يَعْنِي: مِنْ شِدَّةِ الأَهْوَالِ وَالفِتَنِ، فَالذي يَكُونُ عَلَى الجَادَّةِ يَكُونُ غَرِيبَاً بَيْنَ النَّاسِ، وَالقَابِضُ عَلَى دِينِهِ فِيهَا كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ»: الذي يَقْبِضُ عَلَى الجَمْرِ تَجِدُهُ يَتَمَلْمَلُ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبْقِيَ الجَمْرَ في يَدِهِ، بَلْ يُرِيدُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ، فَالذي يَصْبِرُ عَلَى دِينِهِ في ذَلِكَ الزَّمَانِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ فِيهِ شِدَّةً، وَالجَمْرُ يُحْرِقُهُ وَيُؤْلِمُهُ، وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِدِينِهِ كَصَبْرِ القَابِضِ عَلَى الجَمْرِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ»: «لِلْعَامِلِ فِيهِمْ» يَعْنِي: في ذَلِكَ الوَقْتِ، مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَأْتِيهِ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَيَجْتَنِبُهُ، وَأَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ جَمِيعِ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
14739 مشاهدة