أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6787 - حكم رضاع الكبير

04-03-2015 6547 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح بأن الرجل الكبير إذا رضع من امرأة تصبح أُمَّاً له؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6787
 2015-03-04

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾.

وروى الشيخان عَنْ مَسْرُوقٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ.

قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ أَخِي مِن الرَّضَاعَةِ.

قَالَتْ: فَقَالَ: «انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِن الرَّضَاعَةِ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِن الْمَجَاعَةِ».

وروى أبو داود عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَا رِضَاعَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ، وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ؛ وعَن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: «أَنْشَزَ الْعَظْمَ».

وروى الترمذي عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُحَرِّمُ مِن الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ».

وروى عَبدُ الرَّزَّاقِ عَن أَبِي عَطِيَّةَ الوَادِعِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى ابنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ مَعِيَ امرَأَتِي فَحُصِرَ لَبَنُهَا في ثَدْيِهَا، فَجَعَلتُ أَمَصُّهُ ثمَّ أَمُجُّهُ، فَأَتَيتُ أَبَا مُوسَى فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: حَرُمَت عَلَيكَ.

قَالَ: فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى انتَهَى إلى أَبِي مُوسَى.

فَقَالَ: مَا أَفْتَيتَ هذا؟

فَأَخبَرَهُ بالذي أَفْتَاهُ.

فَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ، وَأَخَذَ بِيَدِ الرَّجُلِ: أَرَضِيعَاً تُرَى هَذَا؟ إِنَّمَا الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ والدَّمَ.

فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لا تَسْأَلُونِي عَن شَيءٍ مَا كَانَ هذا الحَبْرُ بَينَ أَظْهُرِكُم.

وروى الإمام مالك عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: لَا رَضَاعَةَ إِلَّا لِمَنْ أُرْضِعَ فِي الصِّغَرِ، وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ.

ثانياً: روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّ سَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ، فَأَتَتْ ـ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ ـ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِماً قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً.

فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ».

فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ، فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ.

ثالثاً: ذَهَبَ جُمهُورُ العُلَمَاءِ عل أنَّ الرَّضَاعَ المُحَرِّمَ لا يَتَوَقَّفُ على مَصِّ اللَّبَنِ من الثَّدْيِ، بَل لَو وُضِعَ في إِنَاءٍ وشَرِبَ مِنهُ الطِّفْلُ كَانَ ذلكَ رَضَاعَاً مُعتَبَرَاً.

رابعاً: ذَهَبَ جُمهُورُ الفُقَهَاءِ والأَئِمَّةُ الأَربَعَةُ من أَصْحَابِ المَذَاهِبِ، وجُلُّ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَن الجَمِيعِ إلى أنَّ رَضَاعَ الكَبِيرِ لا يُحَرِّمُ، وإِنَّمَا الرَّضَاعُ المُعتَبَرَ مَا كَانَ في الحَوْلَينِ.

وقَالَ جُمهُورُ الفُقَهَاءِ: حَدِيثُ سَالِمٍ السَّابِقُ كَانَ خَاصَّاً بِهِ، أو أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وذلكَ لِمَا رواه الإمام مسلم عن زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَداً بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: واللهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلَا رَائِينَا.

وبناء على ذلك:

فإِنَّ الرَّجُلَ الكَبِيرَ إذا رَضَعَ من امرَأَةٍ ـ بِحَيثُ لَو وُضِعَ الحَلِيبُ في إِنَاءٍ وشَرِبَهُ، أو رَضَعَ الرَّجُلُ من ثَدْيِ زَوجَتِهِ الحَلِيبَ مُبَاشَرَةً ـ فَإِنَّهُ لا يُحَرِّمُ، لأنَّ الذي يُحَرِّمُ مَا كَانَ دُونَ الحَوْلَينِ.

وأمَّا حَدِيثُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها الذي رواه الإمام مسلم فَهُوَ خَاصٌّ لِسَالِم، بِدَلِيلِ مَا رواه الإمام مسلم عن أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ، زَوجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اللَّوَاتِي أَقْسَمْنَ باللهِ عزَّ وجلَّ أَنَّهُ مَا كَانَ إلا رُخْصَةً خَاصَّةً بسَالِم.

وهذا مَا عَلَيهِ الفَتْوَى عِندَ جُمهُورِ الفُقَهَاءِ ومِنهُم أصحَابُ المَذَاهِبِ الأربَعَةِ وحَتَى عِندَ الفُقَهَاءِ المُعَاصِرِينَ، وهَذَا ما صَدَرت عَنهُ المَجَامِعِ الفِقْهِيَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
6547 مشاهدة