أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6067 - حقيقة الصابئة

31-12-2013 36302 مشاهدة
 السؤال :
من هم الصابئة الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون}؟ وما إعراب الصابئين في الآية الكريمة؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6067
 2013-12-31

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: لقد وَرَدَ ذِكرُ الصَّابِئَةِ في القُرآنِ العَظيمِ في ثَلاثَةِ مَواضِعَ:

في سُورَةِ البَقَرَةِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون﴾.

وفي سُورَةِ المائِدَةِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون﴾.

وفي سُورَةِ الحَجِّ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد﴾.

ثانياً: الصَّابِئَةُ: جَمعُ الصَّابِئِ، وهوَ من خَرَجَ من دِينٍ إلى دِينٍ.

ثالثاً: اِختَلَفَ العُلَماءُ في تَعريفِ الصَّابِئَةِ على أقوالٍ:

1ـ أنَّهُم قَومٌ على دِينِ سَيِّدِنا نوحٍ عَلَيهِ السَّلامُ.

2ـ أنَّهُم صِنفٌ من النَّصارى، وهُم أليَنُ منهُم قَولاً.

3ـ أنَّهُم طائِفَةٌ من أهلِ الكِتابِ يَقرَؤونَ الزَّبورَ.

4ـ أنَّهُم قَومٌ كانوا يَقولونَ: لا إلهَ إلا اللهُ، ولَيسَ لَهُم عَمَلٌ.

5ـ أنَّهُم لَيسوا من أهلِ الكِتابِ، لأنَّهُم يَعبُدونَ الكَواكِبَ، وعابِدُها كَعابِدِ الوَثَنِ.

رابعاً: تَنطَبِقُ على الصَّابِئَةِ الأحكامُ التي تَنطَبِقُ على الكُفَّارِ عامَّةً، كَتَحريمِ نِكاحِ الصَّابِئِ للمُسلِمَةِ، وكَعَدَمِ صِحَّةِ العِبادَةِ منهُم.

واختَلَفَ الفُقَهاءُ في الأحكامِ التي تَخُصُّ أهلَ الكِتابِ، كَجَوازِ عَقدِ الذِّمَّةِ لَهُم، وأن يَتَزَوَّجَ المُسلِمُ من نِسائِهِم، وأن يأكُلَ من ذَبائِحِهِم، فمن اعتَبَرَهُم من أهلِ الكَتابِ أجرى عَلَيهِم الأحكامَ التي تَختَصُّ بالكِتابِيِّ، ومن اعتَبَرَهُم من غَيرِ أهلِ الكِتابِ أجرى عَلَيهِم الأحكامَ التي تَنطَبِقُ على المُشرِكينَ.

خامساً: أمَّا إعرابُ كَلِمَةِ الصَّابِئينَ في قَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِؤُونَ﴾. حَيثُ جَاءَت مَرفوعَةً لا مَنصوبَةً، فقد ذَكَرَ عُلَماءُ اللُّغَةِ بأنَّ الآيَةَ فيها تَقديمٌ وتَأخيرٌ، وعلى ذلكَ يَكونُ سِياقُ المَعنى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون﴾. والصَّابِؤونَ كذلكَ.

وفي هذا السِّياقِ تُعرَبُ مُبتَدَأً مَرفوعاً، وخَبَرُهُ مَحذوفٌ تَقديرُهُ كذلكَ، وعَلامَةُ رَفعِهِ الواو، لأنَّهُ جَمعُ مُذَكَّرٍ سالِمٌ، وهذا لهُ نَظيرٌ في كَلامِ العَرَبِ.

وبناء على ذلك:

فَحَقيقَةُ الصَّابِئَةِ مَختَلَفٌ فيه بَينَ الفُقَهاءِ، فمنهُم من قالَ عنهُم إنَّهُم طائِفَةٌ من أهلِ الكِتابِ يَقرَؤونَ الزَّبورَ ولا يَعبُدونَ الكَواكِبَ.

ومنهُم من قالَ إنَّهُم لَيسوا من أهلِ الكِتابِ، ومنهُم من قالَ أنَّهُم طائِفَةٌ من أهلِ الكِتابِ لهُم شَبَهٌ بالنَّصارى.

وأمَّا كَلِمَةُ الصَّابِئينَ جَاءَت بالرَّفعِ في سِياقِ الآيَةِ، وهذا أمرٌ غَريبٌ يَستَوقِفُ القارِئَ عِندَهُ، لماذا رُفِعَ هذا الاسمُ بالذَّاتِ معَ أنَّ المألوفَ في مِثلِ هذا أن يُنصَبَ؟

فَيُقالُ: إنَّ هذهِ الغَرابَةَ في رَفعِ الصَّابِئينَ تُناسِبُ غَرابَةَ دُخولِ الصَّابِئينَ في الوَعدِ بالمَغفِرَةِ والنَّجاةِ، فَنَبَّهَ بذلكَ على أنَّ عَفوَ الله عَظيمٌ، يَشمَلُ كُلَّ من آمَنَ بالله واليَومِ الآخِرِ وعَمِلَ صالِحاً، وإن كانَ من الصَّابِئينَ عَبَدَةِ الأوثانِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
36302 مشاهدة