أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6780 - يخاف على نفسه من الانحراف

27-02-2015 4937 مشاهدة
 السؤال :
لقد أكرمني الله عز وجل بالهداية، بفضل والدي الذي رباني فأحسن التربية، ولكني أخشى على نفسي من الانحراف، فماذا أفعل؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6780
 2015-02-27

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَأَسأَلُ اللهَ تعالى لِي ولَكَ وللجَمِيعِ الثَّبَاتَ والاسْتِقَامَةَ، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ ـ مَشَقَّتِهِ وَشِدَّتِهِ ـ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ ـ تَغَيُّرِ النَّفْسِ بِالِانْكِسَارِ مِنْ شِدَّةِ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ـ وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ ـ النُّقْصَانِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ـ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ ـ كُلِّ مَنْظَرٍ يَعْقُبُ النَّظَرَ إِلَيهِ سُوءٌ ـ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي.

فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ واللهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ».

فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا.

يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أن أَزنِيَ، أَو أَعمَلَ بِكَبِيرَةٍ في الإِسلامِ.

فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، وَمِثلُكَ يَقُولُ هذا وَيَخَافُهُ، وَقَد بَلَغتَ من السِّنِّ مَا بَلَغتَ، وَانقَطَعَت عَنكَ الشَّهَوَاتُ، وَقَد شَافَهتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعتَهُ، وَأَخَذتَ عَنهُ؟

قَالَ: وَيْحَكَ، وَمَا يُؤَمِّنُنِي وَإِبْلِيسُ حَيٌّ! رواه البيهقي.

وقَالَ جُبَيرُ بنُ نُفَيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: دَخَلتُ على أَبِي الدَّردَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَنْزِلَهُ بِحِمْصَ، فَإِذَا هوَ قَائِمٌ يُصَلِّي في مَسْجِدِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ يَتَشَهَّدُ جَعَلَ يَتَعَوَّذُ باللهِ من النِّفَاقِ.

فَلَمَّا انصَرَفَ قُلتُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا الدَّردَاءِ، مَا أَنتَ والنِّفَاقُ؟

قَالَ: اللَّهُمَّ غُفْراً ـ ثَلاثَاً ـ مَن يَأْمَنُ البَلاءَ؟ مَن يَأْمَنُ البَلاءَ؟ واللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفتَتَنُ في سَاعَةٍ فَيَنْقَلِبُ عَن دِينِهِ. رواه البيهقي.

إذا عَرَفتَ هذا فَأَنَا أَدْعُوكَ لِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ بالثَّبَاتِ، وأن تَهتَمَّ بِمُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، والابتِعَادِ عن مَجَالِسِ أَهْلِ الغَفلَةِ والفِسْقِ والفُجُورِ، وأن تَسأَلَ الدُّعَاءَ من عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ.

روى الإمام مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً، فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ.

فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ، فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ، فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ».

فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِراً بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ.

فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ.

قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ، وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا.

فَفَتَحَت الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِن الْفَرَحِ.

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ، قَد اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ، وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ خَيْراً.

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا.

قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا ـ يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ ـ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ».

فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي.

وبناء على ذلك:

فإذا كُنتَ تَخشَى على نَفْسِكَ من الانْحِرَافِ، فَأَكْثِرْ من الدُّعَاءِ بالحِفْظِ والثَّبَاتِ، والْتَمِسِ الدُّعَاءَ من عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، وعَلَيكَ بِمُجَالَسَةِ الأَخيَارِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
4937 مشاهدة