أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

3184 - هل هناك أحد لا تقبل توبته؟

16-08-2010 26500 مشاهدة
 السؤال :
كيف يمكن فهم الآية القرآنية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّون}، علمأً أن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 3184
 2010-08-16

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّون} [آل عمران: 90] يتحدَّث عن صنف من أصناف الكفار هم الذين كفروا بعد إيمانهم وشهادتِهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، وبعد أن أرشدتهم الآيات الواضحات من القرآن والسنة والكتب السابقة وسائر المعجزات الدالة على صدق نبوته وصحة رسالته صلى الله عليه وسلم.

وفي الآية إشارة إلى استبعاد هؤلاء عن الهداية، وتيئيس لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، لأنهم عرفوا الحق وحادوا عنه، وتركوا دلالة النبوة، وهداية العقل.

فجزاء هؤلاء استحقاق غضب الله وسخطه والطرد من رحمته، وسخط الملائكة والناس، وصب اللعنات عليهم، والدعاء عليهم بالطرد من رحمته تعالى في الدنيا والآخرة.

والآية تشير إلى أن الكفر يزداد قوة واستقراراً وتمكناً في القلب بعمل ما يقتضيه ويقويه وينميه، من طريق القيام بأعمال تنافي الإيمان ـ والعياذ بالله تعالى ـ كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُون * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُون} [التوبة: 124ـ125].

والتوبة سبيل التزكية والتطهير والإصلاح، كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9ـ10]، فمن أهمل إصلاح نفسه خسر، ومن حاول الإصلاح نجح، فإذا تراكمت المساوئ، وأهملت تزكية النفس، وتدنست بالمعاصي الكثيرة صعب في العادة الرجوع إلى جادة الاستقامة، وهذا ما أشارت إليه آيات التوبة، قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

وبناء على ذلك:

فلا تعارض بين هذه الآية الكريمة، وأن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، لأن خير ما يفسر القرآن القرآنُ، فهذه الآية الكريمة محمولة على من أصرَّ وبقي مقيماً على الكفر حتى أدركه الموت، فهذا لا تقبل توبته، كما قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ}.

ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
26500 مشاهدة