46ـ نحو أسرة مسلمة: حياة الأموات في قبورهم(2)

46ـ نحو أسرة مسلمة: حياة الأموات في قبورهم(2)

 

مقدمة الدرس:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد عرفنا في الدرس الماضي بأن الأموات الذين خرجوا من الدنيا لهم حياة خاصة في عالم البرزخ، لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، ولا يمكن إخضاع عالم البرزخ بمقاييسه إلى عالم الدنيا بمقاييسه، لأن لكل عالَم نظام خاص، فعالم البرزخ عالم غيبي تتوقف معرفته من خلال الخبر الصادق الذي يصلنا عن طريق القرآن العظيم أو عن طريق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تكليم الله عز وجل أولياءه، ونظرهم إليه سبحانه وتعالى في عالم البرزخ:

قد يكرم الله عز وجل بعض عباده بتكليمه إياهم في عالم البرزخ، ويأذن لهم في النظر إلى وجهه الكريم وهم في البرزخ.

عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: (لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: اسْتُشْهِدَ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا، قَالَ: أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ الله بِهِ أَبَاكَ؟ قَال: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا كَلَّمَ الله أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي، قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الآيَةَ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

انظروا إلى رحمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولطفه بأصحابه الكرام، حيث كان يتفقد أصحابه ويسأل عن أحوالهم، فعندما رأى سيدنا جابراً رضي الله عنه منكسراً حزيناً سأله عن السبب، فأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن أباه عبد الله بن حرام استشهد يوم أحد، وترك عيالاً وكانوا بنات، وترك ديوناً عليهم، فهو حزين منكسر القلب من أجل ذلك.

فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل عن قلبه الهم والحزن بأن يبشره ببشارة تنسيه كل آلامه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ). وخاصة في عالم الدنيا، وقد أثبت الله عز وجل هذا بنص القرآن العظيم: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم}. فتكليم الله تعالى لبعض خلقه في الحياة الدنيا إما أن يكون عن طريق الوحي والمقصود هنا هو الإلهام، كما قال تعالى في حق أم سيدنا موسى عليه السلام: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين}. بالله لو لم يكن هذا وحياً من الله كيف تلقي الأم ولدها في اليم إذا خافت عليه؟ ولكن وحي الله لا يُنازع أبداً.

وإما أن يكلِّمه الله تعالى من وراء حجاب، كما كلَّم الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام، وإما أن يرسل إليه رسولاً كسيدنا جبريل عليه السلام كما كان هذا للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.

أما بالنسبة لعالم البرزخ فهناك من عباد الله من يكلِّمه الله تعالى كفاحاً، أي ليس بينه وبين الله حجاب ولا رسول كسيدنا عبد الله ابن حرام رضي الله عنه، ولو لم يكن حياً في عالم البرزخ كيف يقال كلمه الله تعالى؟

وبيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كلم الله تعالى عبد الله بن حرام، قال له: (يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ). ما هذا الكرم الإلهي؟ وانظروا إلى فطانة عبد الله بن حرام رضي الله عنه، ما طلب منه شيئاً، إنما طلب منه أن يرده إلى الدنيا ليقاتل في سبيل الله، لأن العبد عِلْمُه قاصرٌ فماذا يطلب العبد من ربه؟ لذلك قال بعض العارفين بالله: خير ما تطلبه من ربك ما هو طالبه منك.

لذلك طلب من الله تعالى أن يردَّه على الدنيا ليطبق فريضة الجهاد في سبيل الله تعالى، فقال له تعالى: (إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ). فأراد عندها عبد الله بن حرام رضي الله عنه أن ينصح الأمة وهو في عالم البرزخ فقال: (يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي) قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.

فإذاً من خرج من عالم الدنيا دخل في عالم البرزخ، وهو عالم غيبي لا نعرف حقيقته، ولا نتكلم عنه إلا بما جاء به القرآن العظيم وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق.

سماعهم السلامَ والكلامَ عندهم:

فلقد ثبت أنهم يسمعون سلام من يسلم عليهم، ويفهمون كلامه، ويشعرون بالكلام والخطاب الموجه إليهم.

روى مسلم رحمه الله تعالى عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ الله بِكُمْ لاحِقُونَ، اللهمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ).

(وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ) يعني من الثواب والنعيم، (غَدًا مُؤَجَّلُونَ) يعني لاستيفاء تمام ثوابكم وأجوركم عند الله عز وجل، نظير قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}.

فإذا كانوا لا يسمعون ولا يجيبون فهم حينئذ والحجر سواء، ولكان هذا السلام والكلام نوعاً من أنواع العبث، وحاشا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرع عبثاً.

وهنيئاً لأهل البقيع بدعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة في سبيل الله، والموت في بلد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون مثوانا الأخير في بقيع الغرقد، عسى أن نظفر بدعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الميت يستأنس بأصحابه:

والميت يشعر بالحاضرين عنده ويستأنس بهم، جاء في صحيح مسلم أن عمرو بن العاص رضي الله عنه حين احتضر قال: (إِذَا أَنَا مُتُّ فَلا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي).

ولنتعلم من هذا الصحابي الجليل كيف تكون الوصية، وأن نستحضر الأحكام الشرعية حتى ونحن في سكرات الموت، كم وكم من يوصي عند سكرات الموت ببعض المخالفات الشرعية؟

سيدنا عمرو رضي الله عنه يوصي أن لا تصحب جنازته نائحة ولا نار،لأن من أوصى أهله بالنياحة عليه فإنه يعذب في قبره كما جاء في الحديث: (إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) رواه مسلم. هذا إذا أوصى بالبكاء والنياحة عليه، وهذه إحدى معاني هذا الحديث الشريف.

ثم يوصي رضي الله عنه أن يشنُّوا عليه التراب شناً، أي: يصبوا عليه التراب صباً منقطعاً وبرفق، وأن يقيم الناس حول قبره بمقدار نحر جزور وتقسيم لحمه، لماذا؟ حتى يراجع رسل ربه عندما يُسأل في قبره.

وهذا من الأمور المستحبة أن يُمْكَثَ عند قبر الميت بمقدار نحر جزور وتقسيم لحمه، ويُتلى عنده القرآن مع الدعاء له، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) رواه البخاري.

وكان ابن عمر رضي الله عنه يستحب أن يُقرأ على القبر بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها [قال النووي: رواه البيهقي بإسناد حسن]، وكل هذا من أجل أن يستأنس الميت بهم عندما يراجع رسل ربه عز وجل، ونسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.

يرون من يزورهم:

روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي فَأَضَعُ ثَوْبِي، فَأَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْتُ إِلا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي حَيَاءً مِنْ عُمَرَ).

إذا دلَّ هذا فإنما يدلُّ على فقه السيدة عائشة رضي الله عنها وورعها ورعايتها لأحكام الحياة البرزخية، فسيدنا عمر رضي الله عنه شهيد حي، فكانت تحتجب منه لأنه أجنبي عنها.

تكذيب عذاب ونعيم القبر:

هناك فئة من الناس ينفونَ عذابَ ونعيمَ القبر، ويعتبرون بأن الميت إذا مات انتهى وانتهى معه كل شيء إلى يوم القيامة، وهذه عقيدة خطيرة لمناقضتها الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الصحيحة.

قال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَاب * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب}. وهذه الآية أصل كبير في الاستدلال على عذاب العبد في البرزخ.

وإن قيل هذا خاص بآل فرعون، قلنا: إن تخصيص العام يحتاج إلى دليل، وهذا الكلام مرفوض ومردود، لما جاء في الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ الله إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). هل في هذا الحديث شكّ؟ فالعرض لكل عبد إن كان مقعده من الجنة أو مقعده من النار، أجارنا الله وإياكم من ذلك.

وروى الإمام مسلم عن زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: (بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، ـ قَالَ: كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيُّ ـ فَقَالَ: مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَقْبُرِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاكِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَقَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ).

فالقبر بالنسبة للمؤمن روضة من رياض الجنة، يرتاض فيها على حسب إيمانه وعمله، والقبر حفرة من حفر النار بالنسبة للكافر والمُصرِّ على المعصية والعياذ بالله تعالى، روى الإمام الترمذي والطبراني عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلاهُ فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ، قَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى، فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلا تَكَلَّمَ فِيهِ، فَيَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ، وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ، وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ، فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ، قَالَ لَهُ الْقَبْرُ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ، قَالَ: فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ. وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ أَوْ الْكَافِرُ، قَالَ لَهُ الْقَبْرُ: لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ، قَالَ: فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْتَقِيَ عَلَيْهِ، وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ، قَالَ: وَيُقَيِّضُ الله لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا، لَوْ أَنْ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الْأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ).

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

وأخيراً أقول أيها الإخوة: هذا العالم عالم البرزخ عالم مستقل عن عالم الدنيا، والناس فيه أحياء حياة برزخية لا يعلمها إلا الله تعالى، وجدير بنا أن نتعوَّذ بالله تعالى من عذاب النار ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكما كان الصحابة رضي الله عنهم يعلِّمون أبناءهم هذا، وأن يحافظوا عليه بعد الصلوات الإبراهيمية كما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ).

وسنتحدث في الدرس القادم عن حياة الأنبياء في قبورهم وخاصة بالنسبة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، نعم المسؤول ربنا ونعم المجيب هو تبارك وتعالى. والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2009-05-20
 2014
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4153 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4153
21-01-2018 5008 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 5008
14-01-2018 3605 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3605
08-01-2018 4193 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4193
31-12-2017 4226 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4226
24-12-2017 4011 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 4011

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412782712
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :