42ـ آداب الصائم: الأدب الثاني عشر: التوبة النصوح وعوائقاها

42ـ آداب الصائم: الأدب الثاني عشر: التوبة النصوح وعوائقاها

 

مقدمة الدرس:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فأسأل الله تعالى أن يتقبَّل مني ومنكم، وأن يجعلني وإياكم ممن أعتقه الله من النار مع أصولنا وفروعنا وأحبابنا ومن أحسن إلينا ومن أساء إلينا ومن أسأنا إليه، إنه البَرُّ الرحيم.

وأسأله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن قال الله فيهم:{أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار}. هنيئاً لك يا من صبرت على الطاعة، هنيئاً لك يا من صبر عن المعصية، هنيئاً لك يا من صبرت على الابتلاء، وأبشرْ بقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب}.

فلله الحمد أن وفَّقَنا للصيام والقيام، وثمرة الصيام والقيام في الدنيا قبل الآخرة.

ذكرنا في الدرس الماضي آداب الصائم إذا ما أقبل عليه يوم العيد الذي هو يوم الجائزة، ومن هذه الآداب:

1ـ إحياء ليلة العيد.

2ـ الاغتسال قبل الخروج إلى صلاة العيد.

3ـ التطيُّب والاستياك ولبس أحسن الثياب.

4ـ الأكل قبل صلاة العيد.

5ـ التبكير للمأموم والتأخير للإمام.

6ـ التكبير.

7ـ سماع خطبة العيد.

8ـ مبادلة المسلمين بالتهنئة.

9ـ صلة الأرحام والعفو عن المسيء.

10ـ صلاة الضحى في البيت لا في المسجد.

المحروم من المغفرة في شهر رمضان:

أيها الإخوة الكرام، المحروم الحقيقي هو من حُرِم المغفرة في شهر رمضان المبارك ولم يبادر بعدها إلى التوبة الصادقة .

روى الحاكم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «احضروا المنبر»، فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال: «آمين»، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال: «آمين»، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال: «آمين»، فلما نزل قلنا: يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه، قال: «إن جبريل عليه الصلاة والسلام عرض لي فقال: بُعداً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين، فلما رقيت الثانية قال: بُعداً لمن ذُكِرْتَ عنده فلم يصلِّ عليك، قلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال: بُعداً لمن أدرك أبواه الكِبَرَ عنده أو أحدُهُما فلم يُدخِلاه الجنة، قلت: آمين».

بعض الفوائد من هذا الحديث الشريف:

أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل عليه الصلاة والسلام عرض لي) لقد رآه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره أصحابه الكرام، لأن الملائكة أحياء نورانية لا تُرى بالعين المجردة إلا لمن أكرمه الله تعالى فأمدَّه الله ببصره، فإنه يرى ما لا يراه الناظرون، فسيدنا جبريل عليه السلام بالنسبة لنا غيب، والمطلوب منا الإيمان بالغيب، وهذا شأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث صدَّقوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر من رؤيته لسيدنا جبريل عليه السلام وسماعه الدعاء منه عليه السلام.

ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم: (بُعداً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له) أمر طبيعي أن يُبْعَدَ عن رحمة الله تعالى من لم يستطيع على نفسه في شهر رمضان، ولم يستطع أن يستغلَّ هذا الشهر العظيم المبارك، حيث فُتِحت فيه أبواب الجنان، وغلِّقت فيه أبواب النيران، وصُفِّدت فيه الشياطين، وضوعف فيه الأجر، ونادى فيه المنادي: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، فإذا كان العبد في هذا الموسم لم يُقْبَل فمتى يُقبَل؟

ثالثاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (بُعداً لمن ذكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك) كيف ينسى العبد المؤمن الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبه أنقذه الله تعالى من الكفر إلى الإيمان، ومن الضلال إلى الهدى؟ كيف لا يصلي العبد ولا يسلِّم على من صلَّى الله تعالى عليه في قدسه الأعلى؟ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وعلى آل سيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).

رابعاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (بُعداً لمن أدرك أبواه الكبر عنده أو أحدُهما فلم يُدخِلاه الجنة). برُّ الوالدين من أقرب القُرُبات عند الله عز وجل، والمحروم من حُرِمَ بِرَّهُما، وكيف لا يكون الولد بارّاً بوالديه الذين هما سبباً في وجوده؟

وكذلك أتوجَّه إلى الآباء بكلمة فأقول لهم: يا أخي الكريم كُنْ عوناً لولدك على بِرِّك، لا تكلِّفْهُ فوقَ طاقته، إذا أردت أن تُطاع فَأْمُرْ بالمُسْتَطاع، وكن رحيماً به، ولا تستغلَّ أيُّها الأبُ ولدَكَ الصالحَ بأن تُحَمِّلَه فوق طاقته لكونِهِ حريصاً على بِرِّكَ، بل زِدْهُ بالتكريم رجاء الاستمرار على ما هو عليه.

الناس في شهر رمضان:

أيها الإخوة الكرام: الناس في شهر رمضان المبارك على مستويات مختلفة، منهم الطائع ومنهم العاصي، منهم صلى ولم يصم، ومنهم من صام ولم يصلِّ، ومنهم ما صلى وما صام، ومنهم من أقبل على الله تعالى، ومنهم من أعرض، منهم من كان مقبولاً، ومنهم من كان مردوداً، ومنهم من غُفِر له، ومنهم من أُجِر.

منهم من شعر بالندم والحسرة في صباح يوم العيد واحترق قلبه عندما رأى الفرحة والسرور تغمر وجوه الصائمين المصلين، وأخذ يفكِّر هل من طريق للاصطلاح مع الله تعالى؟ هل من سبيل للرجوع إلى الله تعالى؟

أيها الإخوة: يجب على كلِّ مسلم أن يقول بملء فمه لمن يفكِّر بالعودة إلى الله تعالى: يا مرحباً بمن اصطلح مع الله تعالى، يا مرحباً بمن تاب إلى الله تعالى، يا مرحباً بمن ندم على ما فات، ونقول له: لا تحزن فإن الله غفور رحيم.

الله عز وجل يدعوك يا أيها المؤمن:

نَعَمْ أيها الإخوة: اللهُ عز وجل يناديكم من قدسه الأعلى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}. بدون تحديد زمان ولا مكان، بل في كل زمان وفي كل مكان، وإن فاتك الزمن المبارك أو المكان المبارك أو الشخص المبارك، فإن الذي بارك الزمان والمكان والشخص هو الذي يدعوك إلى التوبة، ولو أتيت بأكبر الكبائر، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}.

الله عز وجل يدعوك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}. فالمحروم من شهر رمضان يدعوه ربنا عز وجل أن يُقْبِلَ عليه ويصطلح معه، فما ينبغي أن يلعب به الشيطان ويوقعه في اليأس، لأن معصية العاصي لا تضرُّ الله عز وجل، كما أن طاعة الطائع لا تنفع الله عز وجل، قال تعالى في الحديث القدسي: (إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي) رواه مسلم.

ومن هذا المنطلق يخاطب ربُّنا عز وجل جميع خلقه بقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}.

فالله تعالى غفور وغفَّار وغافر، فمهما أسرفت على نفسك فلا تيأس من رَوْحِ الله تعالى، فإن كنت ظالماً فهو غافر، وإن كنت ظَلُوماً فهو غفور، وإن كنت ظلاَّماً فهو غفَّار.

لو عاش العبد كافراً قاتلاً زانياً أطبق الأرض خطايا ثم أراد أن يتوب فالله تعالى يقبل توبته ما لم تقع روحه في الغرغرة، ما لم يقع في سياق الموت، وذلك لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

عوائق التوبة:

أيها الإخوة: ربُّنا عز وجل يدعونا للتوبة بنص القرآن الكريم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا للتوبة بالأحاديث الشريفة بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه مسلم عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه.

بل يبيِّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف بأن الله تعالى يحبُّ العبد التوَّاب، وأيُّ حُبٍّ يُحِبُّه؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ حَمَلَ زَادَهُ وَمَزَادَهُ عَلَى بَعِيرٍ ثُمَّ سَارَ، حَتَّى كَانَ بِفَلاةٍ مِنْ الأَرْضِ فَأَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ، فَنَزَلَ فَقَالَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، وَانْسَلَّ بَعِيرُهُ، فَاسْتَيْقَظَ فَسَعَى شَرَفًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ سَعَى شَرَفًا ثَانِيًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ سَعَى شَرَفًا ثَالِثًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَأَقْبَلَ حَتَّى أَتَى مَكَانَهُ الَّذِي قَالَ فِيهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ إِذْ جَاءَهُ بَعِيرُهُ يَمْشِي حَتَّى وَضَعَ خِطَامَهُ فِي يَدِهِ، فَلَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ هَذَا حِينَ وَجَدَ بَعِيرَهُ عَلَى حَالِهِ) رواه مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.

ولكنَّ هذه التوبة لها عقبات تحول بين العبد وبين التوبة أحياناً، من هذه العقبات:

أولاً: نسيان الموت:

هذه الحقيقة المنسيَّة التي قال الله تعالى عنها: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور}. ويقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببتَ فإنَّك مُفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجْزِيٌّ به) رواه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنه.

بل يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُكثر من ذِكرها فيقول صلى الله عليه وسلم: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

والعبد إذا نسي الموت فإنه ينسى معه التوبة، وما دام العبد لا يفكِّر بالموت يعني لا يفكر إلا بما قبل الموت، ومن عاش لما قبل الموت فلن يفكِّر بتوبة ولا إنابة، وهذا شأنُ الأحمق، أما العاقل فهو الذي يفكِّر بما بعد الموت، ومن فكَّر بالموت وما بعده أسرع للتوبة، قال صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ) رواه التِّرْمِذيُّ عن شَدَّادِ بْن أَوْسٍ رضي اللَّه عنه.

ومن رحمة الله عز وجل أن أخفى علينا الموت زماناً ومكاناً وسبباً حتى نكون على استعداد للقاء الله عز وجل عند كل مكان وزمان وسبب، فنسيان الموت سبب من الأسباب وعائق من عوائق التوبة.

فأكثروا من ذكر الموت لتفكروا بالتوبة الصادقة النصوح، لو قيل لك اليوم ستموت وأنت قاطع للرحم فهل تصل رحمك أم لا؟ لو قيل لك اليوم ستموت وأنت تأكل الربا وأموال الناس بالباطل فهل تتوب أم لا؟ وقس على ذلك سائر المخالفات الشرعية التي أنت واقع فيها.

لذلك أقول لك أخي أسرع في التوبة لله عز وجل قبل أن يأتيك الموت فتندم ولا ينفعك الندم عندها لا قدَّر الله تعالى.

ثانياً: عدم النظر في عواقب الأمور:

ومن عوائق التوبة عدم النظر في عواقب الأمور، كلُّ أمر له عاقبة، فالطاعة عاقبتها الجنة، والمعصية عاقبتها النار، فلو استحضر الإنسان الجزاءَ على العمل لأسرع إلى التوبة قبل فوات الأوان، قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين}.

عاقبة التوبة جناتٌ تجري من تحتها الأنهار، وعاقبة الإصرار على الذنب نار جهنم والعياذ بالله تعالى، وتدبَّروا أيها الإخوة قولَ الله عز وجل: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُون}.

عاقبة الحسنة خير، وعاقبة السيئة شر، فهل يفكِّر أحدنا في عواقب الأمور، لذلك كان من دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم يا مُقلبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قلْبي علَى دِينِكَ) رَواهُ الترمذيُّ.

ثالثاً: عدم انتقاء الأصحاب:

من عوائق التوبة قرين السوء، قرين السوء يرغِّبك في المعصية ويغريك بها حتى تقع فيها، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}.

لذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لك مثلاً في الجليس الصالح والجليس السوء، فقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

الجليس الصالح يرغِّبك في التوبة، ويحبِّب إليك الطاعة، ويكرِّه إليك الفسوق، الجليس الصالح إذا نظرتَ إليه ذكرتَ الله تعالى، الجليس الصالح يقرَّبك من الله تعالى، الجليس الصالح تُحشر معه يوم القيامة {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}.

انظر جليسك هل هو عائق بينك وبين التوبة، أم هو همزة وصل بينك وبينها، واعلم بأن المرء يحشر مع جليسه يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (يُحشَرُ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) رواه مسلم عن عبد الله.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

وأخيراً أقول: أيها الإخوة لنسرع في التوبة إلى الله عز وجل، ولنستقم على طاعتنا كما كنا في شهر رمضان المبارك، لأنه بئس العبد الذي لا يعرف الله تعالى إلا في رمضان، فإذا انسلخ شهر رمضان أضاع الصلاة واتبع الشهوات والعياذ بالله تعالى.

اللهم ارزقنا توبة صادقة لا ننقض بعدها العهد حتى نلقاك وأنت راض عنا يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2009-09-19
 31271
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 202 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 202
26-05-2022 646 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 646
26-05-2022 474 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 474
29-04-2022 362 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 362
29-04-2022 745 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 745
29-04-2022 853 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 853

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411970155
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :