14ـ دروس رمضانية لعام 1436: أفضل المؤمنين صاحب القلب السليم

14ـ دروس رمضانية لعام 1436: أفضل المؤمنين صاحب القلب السليم

 

 14ـ دروس رمضانية لعام 1436: أفضل المؤمنين صاحب القلب السليم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا أيُّها الإخوة الكرام:

إنَّ أَغْلَى شيءٍ على المُؤْمِنِ قَلْبُهُ، لأنَّهُ مَحَطَّةُ الإيمانِ، ولأنَّ سَلامَتَهُ سَلامَةُ الآخرةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

ومن فَضْلِ اللهِ تعالى على عِبَادِهِ أنَّهُ ما جَعَلَ لأحدٍ من الخَلْقِ سُلطاناً على قَلْبِ أَحَدٍ، فقد يَتَسلَّطُ العَبدُ على جَسَدِ عَبدٍ، أو على مَالِهِ، أو على بَيْتِهِ، أو على مُمتَلكاتِهِ، أمَّا أن يَتَسلَّطَ على قَلْبِهِ فهذا بَعِيدُ المَنَالِ، ومن هذا المنطلقِ يَكُونُ الإنسانُ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على سَلامَةِ قَلْبِهِ ونَظَافَتِهِ من كُلِّ وَصْفٍ يُبعِدُ العَبدَ عن رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، وهذا هوَ وَصْفُ الذين جاؤوا من بَعدِ المهاجرينَ والأنصارِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم﴾.

تَحقَّقَ هؤلاءِ الرِّجالُ بالأدَبِ مع السَّلَفِ الصَّالِحِ، ومن مَظاهِرِ الأدَبِ الدُّعاءُ للسَّلَفِ الصَّالِحِ، وتَحقَّقُوا بِسَلامَةِ القلبِ تُجاهَ المؤمنينَ جميعاً، لأنَّهُم على يَقِينٍ بأنَّ الطَّاعاتِ لا تَنْفَعُ صَاحِبَها إذا كَانَ قَلْبُهُ مَحشُوَّاً بالبغضاءِ والغلِّ نحوَ من يَقُولُ: لا إله إلا اللهُ، مُحَمَّدٌ رسولُ الله، لأنَّ البغضاءَ إذا حَلَّت في القلبِ حَلَقَتِ الدِّينَ ـ والعياذ بالله تعالى ـ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ».

من هوَ أَفْضَلُ المُؤْمِنِينَ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ سَلامَةَ القَلْبِ من الغِلِّ والحقدِ والحَسَدِ لا يُطيقُهُ كُلُّ أحدٍ، لا يُطيقُهُ إلا الرِّجالُ الذينَ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ تعالى عليه، إلا الرِّجالُ الذينَ عَرَفوا قِيمةَ المعيَّةِ مع الذينَ أنعَمَ اللهُ عليهم من النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالحينَ، إلا الرِّجالُ الذينَ عَرَفوا وَصْفَ أهلِ الجنَّةِ من خلالَ قولِهِ تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: سَلامَةُ القُلُوبِِ من الغِلِّ والإِثْمِ والبَغيِ هوَ وَصْفُ المؤمنينَ الكُمَّلِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ».

قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟

قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ».

ومن هذا المنطلقِ نَعْلَمُ بأنَّ أَفْضَلَ القُلُوبِ وَأَنْقَاهَا وَأَطْهَرَها هوَ قَلْبُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهذا ما تجلَّى من خِلالِ تَعَامُلِهِ مع ابنِ رَأْسِ النِّفاقِ عَبدِ اللهِ بنِ أُبيِّ بنِ سلول ـ عَامَلَهُ اللهُ تعالى بِعَدْلِهِ ـ روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ.

فَقَالَ: «آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ» فَآذَنَهُ.

فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ اللهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟

فَقَالَ: «أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ، قَالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾».

فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾.

وهنا أَقُولُ: لِيسمعْ كُلُّ مُنافقٍ وكلُّ مُجرمٍ وكلُّ من يَتَظَاهَرُ بالإسلامِ وهوَ يُؤذي المسلمينَ بأنَّهُ لا بُدَّ من الموتِ والنِّهايةِ في هذهِ الدَّارِ، وَأَقُولُ لِكُلِّ مَظلومٍ من قِبَلِ المنافقينَ وغيرِهِم: ﴿اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بالله﴾. فالموتُ يعُمُّنا، والقبرُ يضُمُّنا، والقيامةُ تجمعُنا، واللهُ يَفْصِلُ بَيْنَنَا، وصدق اللهُ تعالى القائل: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون﴾.

فائدةٌ مُهِمَّةٌ: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: من خِلالِ هذا الحَدَثِ نتعلَّمُ كَيْفَ يَجِبُ على المُسْلِمِ أن يُعامِلَ الآخَرِينَ من خلالِ قولِهِ تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. فلا يَجُوزُ أن يُؤخَذَ الوَلَدُ بِجَرِيمَةِ والِدِهِ، ولا الزَّوجةُ بِجَرِيمَةِ زَوْجِها، ولا الأبُ بِجَرِيمَةِ ابنِهِ، وكلُّ هذا يَتَجَلَّى من خلالِ قولِ الله تعالى عن السَّيِّدةِ آسيا التي دَعَت ربَّها بقولِها: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين﴾. ومن خلالِ قولِ الله تعالى عن سيِّدِنا نوحٍ عليه السَّلامُ حينَ قالَ: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين﴾. ومن خلالِ مُعامَلَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع عبدِ الله الرَّجلِ التَّقيِّ النَّقيِّ الصَّالِحِ ابنِ الرَّجُلِ المُنافِقِ عبدِ اللهِ بنِ أُبيِّ بنِ سَلولٍ ـ عامَلَهُ اللهُ تعالى بعدلِهِ ـ.

أيُّها الإخوة الكرام: كَمِ الأمَّةُ بحاجَةٍ إلى الالتزامِ بقولِهِ تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾.

الأَسْبَابُ المُعِينَةُ على سَلامَةِ القَلْبِ من الغِلِّ:

أيُّها الإخوة الكرام: قد يَسْأَلُ أَحَدُنَا ويقولُ: ما هيَ الأَسْبَابُ المُعِينَةُ على سَلامَةِ القَلْبِ من الغِلِّ والحِقدِ والحَسَدِ؟ والجوابُ على ذلكَ نقولُ: سَلامَةُ القلبِ بأمورٍ، أهمُّها:

أولاً: الدُّعاءُ، وهذا ما تَعلَّمناهُ من القرآنِ العظيمِ، عِنْدَمَا وَصَفَ اللهُ تعالى الذينَ جاؤوا من بعدِ المهاجرينَ والأنصارِ، حيثُ كانَ دُعاؤُهُم: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم﴾. ولكن يَجِبُ علينا أن نَعْلَمَ بأنَّ دُعاءَهُم كَانَ مُتَحقِّقَاً بالشُّروطِ المطلوبةِ منهُم، ومن أهمِّها:

1ـ دُعاؤُهُم كانَ دُعاءَ العبدِ المُضطرِّ، لأنَّ دُعاءَ المُضطرِّ مُستجابٌ، أَمَا رأينا المريضَ الذي يَشْكُو من دَاءٍ عُضالٍ كَيفَ يَكُونُ دُعاؤهُ؟ وكيفَ يسألُ إخوانَهُ الصَّالِحينَ الدُّعاءَ لنفسِهِ؟ وهل رَأَيْتُم من يَدْعُو لِنَفْسِهِ أن يُذهِبَ اللهُ تعالى من قَلْبِهِ الغِلَّ؟ وهل رَأَيْتُم من يَطْلُبُ من إخوانِهِ مِثلَ هذا الدُّعاءِ؟

2ـ أن يُحقِّقَ شُروطَ الدُّعاءِ، والتي من أهمِّها: المَطعَمُ الحلالُ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواهُ الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾. وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».

وَكَانَ يَقُولُ سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: : إِنِّي لا أَحمِلُ هَمَّ الإِجابَةِ، ولكن أَحمِلُ هَمَّ الدُّعاءِ، فَإن أُلهِمتُ الدُّعاءَ، فإنَّ الإِجَابَةَ مَعَهُ.

ثانياً: حُسنُ الظَّنِّ بالنَّاسِ، وهذا مَطلبٌ شرعيٌّ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيم﴾. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً» رواه الإمام مسلم عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ظَنَنْتَ فَلا تُحَقِّقْ» رواه الطبراني عن حارثةَ بنِ النُّعمانِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ويقولُ سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لَا تَظُنَّ كَلِمَةً خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ شَرَّاً وَأَنْتَ تَجِدَ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلاً.

وقد زارَ الرَّبيعُ الشَّافعيَّ في مَرَضِهِ فدَخَلَ عليهِ فقال: يا أبا عبدِ اللهِ! قَوَّى اللهُ ضَعفَكَ.

فَقَالَ: يا أبا محمَّد، لو قَوَّى اللهُ ضَعفِي على قُوَّتِي أَهلَكَنِي.

قلتُ: يا أبا عبدِ اللهِ، ما أردتُ إلَّا الخيرَ.

فقال: لَو دَعوتَ اللهَ عليَّ لَعَلِمْتُ أَنَّكَ لم تُرِد إلَّا الخيرَ.

ثالثاً: البُعدُ عن مُجالسةِ النَّمَّامِينَ والمُغتابينَ، لأنَ استِماعَ العبدِ للغِيبةِ قد يَجْعَلُ في قَلْبِهِ غِلَّاً للمُغتابِ، والغيبةُ كما عرَّفها سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بقوله: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟».

قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ».

قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟

قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَد اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».

أمَّا النَّميمةُ فَشَرُّهَا أَعْظَمُ من الغيبةِ، لأنَّ النَّمَّامَ ينقُلُ إليكَ كلامَ من أَسَاءَ إليكَ، واعْلَمْ بأنَّ من نَمَّ لكَ نمَّ عليكَ، كما جاءَ في الأثر الذي ورد في الزواجر عن اقتراف الكبائر عن الحسن رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: مَنْ نَمَّ لَك نَمَّ عَلَيْك.

والنَّمَّامُ لا يدخلُ الجنَّةَ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عن حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ».

وهو من أَبْغَضِ الخَلْقِ عندَ اللهِ تعالى، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الطبراني في الكبير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقاً، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافاً، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْمُلْتَمِسُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ».

ومن هذا المنطلقِ، كَانَ صَاحِبُ القَلْبِ السَّلِيمِ سَيِّدُنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقولُ لأصحابِهِ الكِرامِ: «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئاً، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الرَّجلُ هوَ من كَانَ طاهِرَ القَلْبِ سَلِيمَ القَلْبِ الذي لا يَعْرِفُ الغِلَّ ولا الحِقدَ ولا البَغْضَاءَ ولا الإثمَ، فهل نَسْعَى للتَّحَقُّقِ بأوصافِ هؤلاءِ الرِّجالِ الذينَ جاؤوا من بعدِ المُهاجرينَ والأنصارِ؟ وإنَّ السَّبيلَ للوُصولِ إلى هذا لَيَسيرٌ على من يَسَّرَهُ اللهُ تعالى عليهِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُم. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 25/رمضان/1436هـ، الموافق: 12/تموز / 2015م

 

 2015-07-12
 1333
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 321 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 321
26-05-2022 693 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 693
26-05-2022 515 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 515
29-04-2022 386 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 386
29-04-2022 817 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 817
29-04-2022 919 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 919

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412738047
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :