333ـ خطبة الجمعة: أعظم الإصلاح إصلاح القلوب

333ـ خطبة الجمعة: أعظم الإصلاح إصلاح القلوب

 

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبادَ الله، إنَّ مُهِمَّةَ الأنبِياءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وخاصَّةً مُهِمَّةُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإصلاحُ، ومن أعظَمِ الإصلاحِ إصلاحُ القُلوبِ، فَبِصَلاحِها صَلاحُ الأعضاءِ، وبِفَسَادِها فَسَادُ الأعضاءِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».

فإذا كانَ القَلبُ صالِحاً رَشَحَ هذا الصَّلاحُ على جَوارِحِ العبدِ، وبذلكَ يَسلَمُ المُسلِمونَ من لِسانِهِ ويَدِهِ، وأمَّا إذا كانَ فاسِداً فإنَّ فَسادَهُ يَرشَحُ على جَوارِحِ العبدِ، وبذلك  لا يَسلَمُ المُسلِمونَ من لِسانِهِ ويَدِهِ، فَيَخسَرُ الدُّنيا والآخِرَةَ.

أيُّها الإخوة الكرام: المؤمنُ هوَ الذي يَهتَمُّ بِسَلامَةِ قَلبِهِ، لأنَّهُ عَلِمَ أنَّ فَلاحَهُ ونَجاحَهُ في الآخِرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِسَلامَةِ قَلبِهِ، قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾. ولأنَّهُ عَلِمَ أنَّ اللهَ تعالى ناظِرٌ إلى قَلبِهِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».

من أسبابِ فَسادِ القَلبِ الحِقدُ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أسبابِ فَسادِ القَلبِ الحِقدَ، الذي إنْ تَمَكَّنَ من القَلبِ صارَ صاحِبُهُ فاسِداً ومُفسِداً، وحَقيقَةُ هذا الدَّاءِ أنَّهُ دَبَّ إلينا من الأمَمِ السَّابِقَةِ، هذا الدَّاءُ الذي كانَ سَبَباً لِسَفْكِ الدِّماءِ، وهَتْكِ الأعراضِ، وتَرميلِ النِّساءِ، وتَيتيمِ الأطفالِ.

هذا الحِقدُ الذي فَتَّ في عَضُدِ الأمَّةِ حتَّى فَرَّقَ شَملَها، وجَرَّأَ عَدُوَّها عليها، حتَّى تَداعى عليها كما تَتَداعى الأكَلَةُ إلى قَصعَتِها.

أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لِصاحِبِ الحِقدِ الذي تَمَكَّنَ الحِقدُ من قَلبِهِ: ما زِلتَ في دارِ العَمَلِ، فأصلِح قَلبَكَ يُغفَر ذنبُكَ إن شاءَ اللهُ تعالى، وإلا خَسِرتَ الدُّنيا والآخِرَةَ، فبادِر بالتَّوبَةِ قبلَ الموتِ، لأنَّ الحِقدَ ليسَ من صِفَةِ هذهِ الأمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ. هذا أولاً.

ثانياً: اِسمَع إلى ما قالَهُ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ النَّمِيمَةَ وَالْحِقْدَ فِي النَّارِ، لا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ مُسْلِمٍ» رواه الطبراني في الكبير عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

يا من يَدَّعي الإسلامَ، اُنظُر إلى قَلبِكَ هل تَجِدُهُ على قَلبِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

إنَّ نَبِيَّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما عَرَفَ الحِقدَ على أحَدٍ من خَلقِ الله قبلَ الرِّسالَةِ، وهوَ كذلكَ بعدَ الرِّسالَةِ من بابِ أَولى.

ثالثاً: هل تَعلَمُ أيُّها الحاقِدُ أنَّكَ لستَ من أفاضِلِ النَّاسِ، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ من هُم أفضَلُ النَّاسِ، روى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟

قَالَ:« كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ».

قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟

قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ».

ومعنى مَخْمُومِ الْقَلْبِ: مِن خَمَمْتُ البيتَ إذا كَنَستُهُ، فهل نَغسِلُ قُلوبَنا من هذا الحِقدِ الدَّفينِ حتَّى نَكونَ من أهلِ الجَنَّةِ؟

رابعاً: هل تَعلَمُ أيُّها الحاقِدُ أنَّكَ تُؤَخَّرُ عن المَغفِرَةِ حتَّى تَدَعَ حِقدَكَ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بالله شَيْئاً، إِلَّا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».

لا يَنظُرُ اللهُ فيها إلى مُشاحِنٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: نحنُ نَعيشُ في شَهرٍ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى الله تعالى، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن شَهرِ شعبانَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَب وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ» رواه الإمام أحمد عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ومن مَظاهِرِ رَحمَةِ الله تعالى أنَّهُ يَغفِرَ لِعِبادِهِ المؤمنينَ، الذينَ اقتَرَفوا الآثامَ سِرَّاً ولم يُجاهِروا بها، ولم تَتَعَلَّقْ بِحُقوقِ العِبادِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافىً إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ» رواه الإمام البخاري عن أَبي ُهَريرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

أمَّا من كانَ إثمُهُ جِهاراً نهاراً، ويَتَعَلَّقُ بِحُقوقِ العِبادِ، فهذا العبدُ فَتَحَ اللهُ تعالى له بابِ التَّوبَةِ، ودَعاهُ إليها، وبَسَطَ يَدَهُ في النَّهارِ لِيَتوبَ مُسيءُ اللَّيلِ، وبَسَطَ يَدَهُ في اللَّيلِ لِيَتوبَ مُسيءُ النَّهارِ، وجَعَلَ له أزمِنَةً خاصَّةً لِيَتَقَرَّبَ فيها إلىه جلَّ وعلا.

ومن هذهِ الأزمِنَةِ ليلَةُ النِّصفِ من شَهرِ شَعبانَ، حيثُ يَطَّلِعُ اللهُ تعالى فيها على خَلقِهِ بالرَّحمَةِ والمَغفِرَةِ، وله فيها عُتَقَاءُ من النَّارِ ما لا يَعلَمُ عَدَدَهُم إلا اللهُ تعالى، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه البيهقي عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «أتَاني جِبريلُ، فقال: هذه اللَّيلَةُ لَيلَةُ النِّصفِ من شَعبانَ، وللهِ فيها عُتَقاءُ من النَّارِ بِعَدَدِ شُعورِ غَنَمِ كَلب، لا يَنظُرُ اللهُ فيها إلى مُشرِكٍ، ولا إلى مُشاحِنٍ، ولا إلى قَاطِعِ رَحِمٍ، ولا إلى مُسبِلٍ، ولا إلى عَاقٍّ لِوَالِدَيهِ، ولا إلى مُدمِنِ خَمْرٍ».

أيُّها الإخوة الكرام: الحَمدُ لله تعالى أنَّهُ لا يوجَدُ فينا مُشرِكٌ، فَكُلُّنا من أهلِ الإيمانِ والتَّوحيدِ، ربُّنا واحِدٌ، ونَبِيُّنا واحِدٌ، وقُرآنُنا واحِدٌ، وقِبلَتُنا واحِدَةٌ، ولكنْ في الأمَّةِ المُشاحِنُ والقاطِعُ والمُتَكَبِّرُ والعاقُّ والمُدمِنُ، وكُلُّ هذهِ الكبائِرِ والمُوبِقاتِ مُتَعَلِّقَةٌ بِحُقوقِ الآخَرينَ، فَهُناكَ المُشاحِنُ لإخوانِهِ، وهُناكَ القاطِعُ لِرَحِمِهِ، وهُناكَ المُتَكَبِّرُ على خَلقِ الله تعالى، وهُناكَ العاقُّ لِوالِدَيهِ، وهُناكَ المُدمِنُ على الخَمرِ التي هيَ أمُّ الخَبائِثِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لو نَظَرنا إلى سَبَبِ المُشاحَنَةِ، وقَطْعِ الرَّحِمِ، والتَّكَبُّرِ، والعُقوقِ، لَوَجدناهُ سَبباً واحِداً، ألا وهوَ فَسادُ القَلبِ بِسَبَبِ الحِقدِ الذي يُظهِرُ عُيوبَ الإنسانِ، ويَكشِفُ عن الدَّاءِ الدَّفينِ فيه.

يَدَعُ أهلَ الحِقدِ بِحِقدِهِم حتَّى يَدَعوهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: بعدَ يَومَينِ تأتينا لَيلَةُ النِّصفِ من شَعبانَ ـ إن شاءَ اللهُ تعالى ـ في هذهِ اللَّيلَةِ يَغفِرُ اللهُ تعالى للمؤمنينَ، ويُمهِلُ الكافِرينَ، ويُؤَخِّرُ أهلَ الحِقدِ حتَّى يَدَعوهُ، كما روى البيهقي والطَّبراني في الكبير ـ واللَّفظُ له ـ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي الْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ».

وفي روايةٍ للبيهقي عن السَّيِّدَةِ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «هذهِ لَيلَةُ النِّصفِ من شَعبانَ، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَطَّلِعُ على عِبادِهِ في لَيلَةِ النِّصفِ من شَعبانَ فَيَغفِرُ للمُستَغفِرينَ، ويَرحَمُ المُستَرحِمينَ، ويُؤَخِّرُ أهلَ الحِقدِ كَما هُم».

هل تُريدُ أن تَكونَ من أهلِ الجَنَّةِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّنا يَتَمَنَّى أن يَكونَ من أهلِ الجَنَّةِ، كُلُّنا يَتَمَنَّى أن يَكونَ معَ الذينَ أنعَمَ اللهُ عَلَيهِم من النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ والصَّالِحينَ، وإذا كُنَّا صادِقينَ في هذهِ الأمنِيَةِ فَلنَعمَلْ، لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾. ومن جُملَةِ العَمَلِ، أنْ تَبيتَ وليسَ في قَلبِكَ غِشٌّ لأحَدٍ من المُسلِمينَ.

أيُّها الإخوة الكرام: أما سَمِعتُم حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام أحمد عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى.

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضاً، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى.

فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثاً، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ.

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ الله يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِن اللَّيْلِ شَيْئاً، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ.

قَالَ عَبْدُ الله: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْراً، فَلَمَّا مَضَت الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ: يَا عَبْدَ الله، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ.

قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي.

فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشَّاً وَلَا أَحْسُدُ أَحَداً عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ.

فَقَالَ عَبْدُ الله: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: عالِجوا شُؤونَ حَياتِكُم فيما بينَ بَعضِكُمُ البَعضِ بِسَلامَةِ الصَّدرِ، وأحْيوا سُنَّةَ نَبِيِّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَينَكُم، كما روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ:  قال لِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ».

ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ».

يا من أنتَ حريصٌ على أن تكونَ معَ الذينَ أنعَمَ اللهُ عليهِم من النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ والصَّالِحينَ، ومعَ سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرينَ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لا تَجعَل في قَلبِكَ غِشَّاً ولا حِقداً لأحَدٍ من خَلقِ الله تعالى على الإطلاقِ، واغتَنِم لَيلَةَ النِّصفِ من شَعبانَ، فَرُبَّما أن لا تُصادِفَكَ مرَّةً أُخرى.

نَسألُكَ يا ربَّنا أن تُطَهِّرَ قُلوبَنا من الغِلِّ والحِقدِ والحَسَدِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم.

أقولُ هَذا القَولَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 12/شعبان /1434هـ، الموافق: 21/حزيران / 2013م

 2013-06-21
 36240
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 522 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 522
09-04-2024 541 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 541
04-04-2024 672 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 672
28-03-2024 561 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 561
21-03-2024 992 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 992
14-03-2024 1779 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1779

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412656521
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :