68ــ كلمة شهر شوال1433هـ: انظر إلى الواقع بعينين

68ــ كلمة شهر شوال1433هـ: انظر إلى الواقع بعينين

 

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فياأيُّها الإخوة الكرام: مِمَّا لا شكَّ فيه بأنَّ الإنسانَ المسلمَ الحقَّ هوَ إنسانٌ مُنصفٌ، صادقٌ مع ذاتِهِ، يقولُ الحقَّ ولو كانَ مُرَّاً، ويقولُ الحقَّ ولو كانَ على نفسِهِ، لأنَّهُ يعرفُ قولَ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيَّاً أَوْ فَقَيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾.

اُنظُر إلى الواقعِ بعَينَينِ:

أيُّها الإخوة الكرام: ومن الإنصافِ أن ننظُرَ إلى واقِعِنا المريرِ الذي تمرُّ به الأمَّةُ المسلمةُ في هذا البلدِ الحبيبِ بعَينَينِ لا بعَينٍ واحدةٍ، لأنَّ النَّظرةَ إلى واقعِ الأمَّةِ بعَينٍ واحدةٍ ليسَ من الإنصافِ، بل من الظُّلمِ لأنفُسِنا، حيثُ تُوقِعُ بعضُ الناسِ في خَطَرٍ عظيمٍ، ألا وهوَ تَزعزُعُ العقيدةِ ـ والعياذُ باللهِ تعالى ـ حيثُ يشكُّ النَّاظرُ بعينٍ واحدةٍ إلى الواقعِ بوعْدِ الله تعالى الذي لا يُخلَفُ.

أيُّها الإخوة الكرام، يجبُ النَّظرُ إلى الواقعِ بعَينَينِ:

ننظُرُ بالعينِ الأولى: إلى أخطائِنا وإلى انحِرافِنا، وإلى السُّوءِ الذي تلبَّسنا به، وإلى الظُّلمِ الذي يصدُرُ منَّا من الدَّائرةِ الضَّيِّقةِ، دائرةِ الأسرةِ إلى الدَّائرةِ الكبرى دائرةِ المجتمعِ.

فإذا نَظرنا بالعينِ الأولى وَجدنا شيئاً خطيراً وربِ الكعبةِ مِمَّا نجِدُ:

أولاً: انتشارُ الرِّبا، حيثُ توعَّدَ اللهُ تعالى المرابينَ بالمَحقِ وإعلانِ الحربِ عليهم، قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا﴾. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ﴾. مع صبِّ اللَّعنةِ على المرابين.

ثانياً: انتشارُ الرِّشوةِ بينَ الناسِ، وأكلَ أموالِ الناسِ بالباطلِ، رَغمَ الشَّدائدِ التي تمرُّ بالأمَّةِ، واللهُ تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾. والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول: «لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ثالثاً: الإفطارُ في شهرِ رمضانَ جهاراً بدونِ حياءٍ، والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول: «إنَّ جبريلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عُرِضَ لي فقال: بُعداً لمن أدركَ رمضانَ فلم يُغفَرْ لهُ، قلتُ: آمين» رواه الحاكم عن كعب بن عجرة رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وفي رواية الإمام أحمد والترمذي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ».

رابعاً: تركُ الصَّلاةِ من كثيرٍ من الرِّجالِ والنِّساءِ بدونِ تردُّدٍ، وبدونِ حياءٍ.

خامساً: تركُ الزَّكاةِ من كثيرٍ من الأغنياءِ.

سادساً: انتشارُ الفاحشةِ، حتَّى وَصَلَ الأمرُ لأنْ يزنيَ الرَّجلُ بحليلةِ جارِهِ، وربَّما ببعضِ مَحارِمِهِ.

سابعاً: انتشارُ شُربِ المخدِّراتِ والمسكِراتِ بكلِّ صُوَرِها وأشكالِها.

ثامناً: كثرةُ ألفاظِ الكفرِ من سبِّ الله تعالى، وسبِّ الدِّينِ، وسبِّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وسبِّ القرآنِ العظيمِ.

تاسعاً: سُفورُ النِّساءِ وتبرُّجُهُنَّ والاختلاطُ مع الرِّجالِ الأجانبِ.

عاشراً: صفاتُ المنافقينَ التي انتشرت في صُفوفِ المؤمنينَ، إلى غيرِ ذلك من الكبائِرِ والموبقاتِ، وربَّما أن نقولَ: وصلنا إلى درجةٍ لا نستطيعُ أن نُميِّزَ فيها المسلمينَ من غيرِ المسلمينَ من حيثُ سُلوكِهِمُ الظَّاهرِ.

ننظُرُ بالعينِ الثانية: إلى الظُّلمِ الشَّديدِ الذي وَقَعَ على عامَّةِ المسلمينَ من سفكِ دِماءٍ بريئةٍ، ومن هتكٍ للأعراضِ، ومن إتلافٍ للأموالِ، ومن تهديمٍ للبيوتِ، ومن حرقٍ للأموالِ العامَّةِ والخاصَّةِ، ومن تيتيمٍ للأطفالِ، ومن ترميلٍ للنِّساءِ، ومن تشريدٍ للعوائِلِ، ومن نُزوحٍ من البيوتِ، ومن فقرٍ لأسبابِ المعيشةِ، ومن فقدٍ لِنِعمةِ الأمنِ، ومن الخوفِ الشَّديدِ الذي زعزَعَ قُلوبَ الرِّجالِ والنِّساءِ والضُّعفاءِ والأطفالِ والصِّغارِ، إلى أمورٍ يشيبُ منها الولدانُ، وتجعلُ الحليمَ حَيرانَ.

لمن ننتظرُ النَّصرَ من الله تعالى؟

أيُّها الإخوة الكرام: إذا نَظرنا إلى واقعنا بالعَينَينِ لا بعينٍ واحدةٍ، نسألُ بعدَ ذلك: لمن ننتظرُ النَّصرَ من الله؟

ننظُرُ إلى واقِعنا المريرِ فنجِدُ الكثيرَ من الناسِ من اتَّخَذَ الإسلامَ مظاهرَ يتجمَّلُ بها، فإذا ما تعارضَ الإسلامُ مع أهوائِهِ ورَغباتِهِ ضحَّى بالإسلامِ في سبيلِ رَغباتِهِ وأهوائِهِ، فهل ينتصرُ اللهُ تعالى لهؤلاءِ؟

لمن ينصُرُ اللهُ تعالى؟ ومن همُ الذين ينصُرُهُمُ اللهُ تعالى؟ وفي سبيلِ من يهلكُ ربُّنا الطُّغاةَ الظَّالمينَ المجرمينَ الذين عاثوا في الأرضِ فساداً؟

نعم، ربُّنا عزَّ وجلَّ وَعدَ المؤمنينَ بالنَّصرِ والفَرَجِ، ولكن هل المؤمنونَ اليومَ تطابقت أقوالُهُم مع أفعالِهِم، وصدَّقَ سُلوكُهُم اعتقادَهُم؟.

اقرأ هذهِ القِصَّةَ:

هناكَ رجلٌ من الصَّالحينَ ـ بل من كبارِ الصَّالحين ـ عاشَ في أواخِرِ الخلافةِ العثمانيَّةِ،

وفي الختامِ:

أيُّها الإخوة الكرام: تعالَوا لنصطلحَ مع الله تعالى، تعالَوا لنرجعَ إلى دِينِ الله تعالى بالاختيارِ قبلَ أن نرجعَ إليه بالقهرِ والاضطرارِ، تعالَوا لنُحِلَّ الحلالَ ونُحرِّمَ الحرامَ، ولْنَقِفْ عندَ حُدودِ الله تعالى، تعالَوا لننبذِ الخلافاتِ، ونحنُ نسألُ اللهَ تعالى أن يُعامِلنا بفضلِهِ لا بعدلِهِ. وحسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله العليِّ العظيمِ، وصَلَّى اللهُ على سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**    **     **

تاريخ المقال:

يوم الأحد 1 / شوال / 1433هـ ، الموافق: 18 /آب/ 2012م

 

 2012-08-18
 79954
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 88 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 88
13-03-2024 255 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 255
09-02-2024 503 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 503
13-01-2024 302 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 302
14-12-2023 442 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 442
16-11-2023 545 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 545

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412994949
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :