أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8379 - المحكم والمتشابه

22-10-2017 270 مشاهدة
 السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾. وما هو الفارق بين الآيات المحكمات والمتشابهات؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8379
 2017-10-22

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: القُرْآنُ الكَرِيمُ وُصِفَ بِأَنَّهُ مُحْكَمٌ كُلُّهُ، قَالَ تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾. فَالقُرْآنُ مُحْكَمٌ وَمُتْقَنٌ في أَخْبَارِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَلَا تَعَارُضَ فِيهِ.

ثانياً: وُصِفَ بِأَنَّهُ مُتَشَابِهٌ، قَالَ تعالى: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابَاً مُتَشَابِهَاً﴾. فَهُوَ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضَاً في كَمَالِهِ وَإِحْكَامِهِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ أَحْكَامِهِ، وَأَخْبَارِهِ، بَلْ كُلُّهُ يَشْهَدُ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ، وَيُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضَاً، وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنَّ تِلَاوَةَ القُرْآنِ تَحْتَاجُ إلى تَدَبُّرٍ وَتَأَمُّلٍ، وَخَاصَّةً فِيمَا يَبْدُو للإِنْسَانِ فِيهَا تَعَارُضَاً، وَلِذَلِكَ قَالَ تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافَاً كَثِيرَاً﴾.

ثالثاً: وُصِفَ بِأَنَّ بَعْضَهُ مُحْكَمٌ وَبَعْضَهُ الآخَرَ مُتَشَابِهٌ، قَالَ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾.

وَالمُحْكَمُ هُنَا هُوَ مَا كَانَ مَعْنَاهُ بَيِّنَاً ظَاهِرَاً، مِثْلُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾. وَقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وَقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. وَقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾. إلى آخِرِ الآيَاتِ الوَاضِحَةِ الظَّاهِرَةِ التي يُكَلِّفُ اللهُ تعالى بِهَا الأُمَّةَ مِنْ فِعْلٍ أَو تَرْكٍ.

أَمَّا المُتَشَابِهُ فَهِيَ الآيَاتُ التي لَا يَسْتَطِيعُ العَقْلُ البَشَرِيُّ أَنْ يَرْتَقِيَ إلى مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهَا، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾. وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾. وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾. وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾. إلى مِثْلِ هَذِهِ الآيَاتِ الكَرِيمَاتِ.

وبناء على ذلك:

فَالآيَاتُ المُحْكَمَاتُ هُنَّ آيَاتُ التَّكْلِيفِ، وَالمَطْلُوبُ مِنَ المُؤْمِنِ تُجَاهَهَا الإِيمَانُ بِهَا ثُمَّ العَمَلُ بِمَضْمُونِهَا، أَمَّا الآيَاتُ المُتَشَابِهَاتُ فَالمَطْلُوبُ مِنَ المُؤْمِنِ الإِيمَانُ بِهَا وَالتَّسْلِيمُ فَقَطْ، وَأَنْ يَرُدَّهَا إلى الآيَاتِ المُحْكَمَاتِ، فَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ اللهِ تعالى وَأَسْمَائِهِ يُرْجِعُهَا إلى الآيَةِ المُحْكَمَةِ الوَاضِحَةِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ الذينَ ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾. فَالمُحْكَمُ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَالمَطْلُوبُ مِنَّا العَمَلُ بِهِ، وَالمُتَشَابِهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَالمَطْلُوبُ مِنَّا الإِيمَانُ بِهِ، فَاللهُ تعالى لَمْ يُكَلِّفْنَا بِمَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾. وَلَمْ يُكَلِّفْنَا بِمَعْرِفَةِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾. وَلَمْ يُكَلِّفْنَا بِمَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾. بَلْ كَلَّفَنَا بِالإِيمَانِ بِهَذِهِ الآيَاتِ فَقَطْ.

﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ﴾. هَؤُلَاءِ تَرَكُوا الآيَاتِ المُحْكَمَاتِ وَشَكَّكُوا الأُمَّةَ في الآيَاتِ المُتَشَابِهَاتِ، وَوَقَعَ البَعْضُ في شَرَكِهِمْ، وَنَـسِيَ أَنْ يَرُدَّ المُتَشَابِهَ إلى المُحْكَمِ إلى قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
270 مشاهدة