أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6064 - كيف حجا وهما قد خرجا من الدنيا؟

31-12-2013 42783 مشاهدة
 السؤال :
ورد في صحيح مسلم بأن سَيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رأى سيدنا موسى وسيدنا يونس عليهما السلام يلبيان بالحج، فكيف حجا وهما قد خرجا من الدنيا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6064
 2013-12-31

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد روى الإمام مسلم عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ فَقَالَ: «أَيُّ وَادٍ هَذَا؟».

فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ.

قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطاً مِن الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ ـ رَفعُ الصَّوتِ ـ إِلَى الله بِالتَّلْبِيَةِ.

ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى ـ جَبَلٌ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ ـ فَقَالَ: «أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟».

قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى.

قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ ـ لِيفٌ ـ وَهُوَ يُلَبِّي».

يَقولُ القاضي عِياضُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أكثَرُ الرِّواياتِ أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَآهُم كذلكَ لَيلَةَ الإسراءِ والمِعراجِ. اهـ.

فإنْ قِيلَ: كَيفَ يَحُجُّونَ وهُما في عالَمِ البَرزَخِ؟

للعُلَماءِ في ذلكَ أجوِبَةٌ، منها:

أولاً: إذا كانَ الشُّهَداءُ أحياءً في قُبورِهِم، فالأنبِياءُ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ من بابِ أَولى وأَولى، وإذا كانوا أحياءً صَحَّ منهُم أن يَتَقَرَّبوا إلى الله تعالى بالعِباداتِ، والتي من جُملَتِها الحَجُّ، بِكَيفِيَّةٍ يَعلَمُها اللهُ تعالى، أما مَرَّ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيلَةَ الإسراءَ والمِعراجِ، فَرَأى سَيِّدَنا موسى عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَائِماً في قَبرِهِ يُصَلِّي؟ كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى فَرَأَيْتُهُ قَائِماً يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ».

ثانياً: أن تَكونَ مَثُلَت للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَالَةُ حَجِّهِم عِندَما كانوا في حَياتِهِمُ الدُّنيا، ويَدُلُّ على ذلكَ قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ».

ثالثاً: المَوتُ عِندَ جُمهورِ الفُقَهاءِ يَقطَعُ التَّكليفَ لا العَمَلَ، وبِدَليلِ حَديثِ رُؤيَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنا موسى عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وهوَ يصَلِّي في قَبْرِهِ.

وبناء على ذلك:

فما دامَ الحَديثُ صَحيحاً رواهُ الإمامُ مسلم فلا إشكالَ فيهِ، وما حَدَّثَ عنهُ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما هوَ إلا نَوعٌ من أنواعِ المُعجِزاتِ، لأنَّ رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّنيا وهُما في البَرزَخِ، وعَالَمُ البَرزَخِ عَالَمٌ حَقيقِيٌّ قائِمٌ بِذَاتِهِ يِختَلِفُ عن عَالَمِ الدُّنيا، والحَديثُ عنهُ مُتَوَقِّفٌ على النَّبَأِ الصَّادِقِ الذي يأتي من القُرآنِ العَظيمِ، أو من سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولا يَسَعُ المُؤمِنَ إلا الإيمانَ بذلكَ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
42783 مشاهدة