56ـ كلمة شهر شوال 1432هـ: وصايا من شهر رمضان

56ـ كلمة شهر شوال 1432هـ: وصايا من شهر رمضان

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا أيها الإخوة الكرام:

ها هو شهر رمضان ودَّع الأمة الإسلامية، وكان شاهداً على هذه الأمة، حيث استقبل بسفك الدماء، وودع بسفك الدماء، دماء طاهرة، دماء بريئة، دماء زكية، ودع شهر رمضان الأمة، والنساء الأرامل يبكين، ودموع اليتامى تسيل على وجناتهم، ودَّع شهر رمضان الأمة، وكان شاهداً على الأمة حيث الإساءة إلى المقدسات الدينية، وخاصة لبيوت الله عز وجل، ودَّع شهر رمضان الأمة وهو شاهد عليها بإتلاف الأموال العامة، ودَّع الأمة وهي مضطربة لا تعرف سبيل النجاة.

ولكن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، يوصي الأمة أن ترجع إلى كتاب ربها الذي أنزله في ليلة القدر، لقراءته وتدبُّره والتزامه، يوصي الأمة:

أولاً: احتكموا إلى كتاب الله عز وجل، وإلى نبيِّكم الكريم، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}، هلا رجعت الأمة إلى كتاب ربها عز وجل حتى تنفي عنها الشقاء والضلال؟ قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}.

يا أمة القرآن! أما تعيشي حياة الشقاء والضنك؟ أما عرفت السبب في ذلك؟ السبب هو الإعراض عن شرع الله.

يا أمة القرآن! لقد جرَّبتم غير القرآن من تشريعات وضعيَّة، ومن دساتير بشرية، فهل وجدتم خيراً؟ لقد وجدتم الظلم والجهل بسبب إضاعة هذه الأمانة التي تحمَّلتموها، أنسيت يا أمة القرآن قول الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}.

تذكري يا أمة القرآن كيف كان حالك قبل وصول القرآن إليك؟ لقد كنت في ظلم وجهل، وعندما أكرمك الله بالالتزام انتفى عنك الظلم والجهل، فَسُدْتِ الدنيا من أقصاها إلى أقصاها، فكان يأوي إليك المظلوم مهما كان معتقده فيجد عندك نصرته، وكان يأوي إليك الجاهل فينقلب عالماً في شؤون الدنيا والدين.

وعندما أعرضت عن القرآن، وخدعك الغرب بشعارات مزيَّفة، رجعت إلى ما كنت عليه من الذلِّ والمهانة، وها هو مولاك يا أمة القرآن يقول لك: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}.

ارجعي إلى كتاب ربك فالخير فيه، ولا تنتظري قوانين ودساتير من وضع البشر مرة ثانية، والله لن يتغير عليك الحال إلا على حساب آخرتك.

ثانياً: ارفعوا عنكم التنازع والخصام، فإنه والله سبب لمنع الخير وخفائه، أما عرفتم هذا من حديث نبيِّكم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عندما قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ) رواه البخاري.

إن تنازعكم وخصامكم وعدم رجوعكم إلى كتاب الله سبب لمنع الخير والرحمة، ومصطفاكم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول لكم: (لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) رواه البخاري ومسلم. شأن العراك الدامي هو شأن الكافرين المنقسمين على أنفسهم أحزاباً متنافرة.

ثالثاً: خذوا درساً من حياة أصحاب نبيِّكم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوم أُحُد، لقد أعطى الأمة درساً مؤلماً، أفقدهم من رجالهم سبعين بطلاً، وردَّهم إلى المدينة المنوَّرة وهم يعانون من آلام الجراحات، لم ذلك؟ مع أن إيمانهم بالله ودفاعهم عن الحق كان يُرشِّحانهم للفوز المبين، السرُّ في ذلك: تنازعهم، وانقسامهم، ومعصيتهم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

تذكَّروا يا أمة القرآن بأن الإسلام كان حريصاً عليكم، يريد أن يطفئ بوادر الخلاف والنزاع، ويُهيب بكم أن تتكاتفوا على إخراج الأمة من ورَطات الشقاق، قال نبيكم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ) رواه الترمذي.

تذكَّروا بأن أعداءكم يودُّون أن يضعوا أيديهم ولو على شخص واحد ليكون طرفاً ناتئاً ليجذبوا الأمة كلَّها عن طريقه، فلا جرم حينئذ أنْ يستأصِلَ الإسلامُ هذا النتوء لينجي الجماعة كلَّها من أخطار بقائه، لذلك قال نبيُّكم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ) رواه مسلم.

يا أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم! هل من عودة إلى كتاب الله عز وجل، ليكون دستورنا الذي ضمن سعادتنا دنيا وأخرى؟

هل نترك التنازع والخصام فيما بيننا؟ هل نأخذ درساً من أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟

اللهمَّ ردَّنا إلى دينك ردّاً جميلاً. آمين. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربِّك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2011-08-30
 31102
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

13-03-2024 135 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 135
09-02-2024 448 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 448
13-01-2024 279 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 279
14-12-2023 386 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 386
16-11-2023 500 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 500
16-09-2023 527 مشاهدة
205ـ كيف لا نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم!

مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ ... المزيد

 16-09-2023
 
 527

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411973210
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :