329ـ خطبة الجمعة: يا تجار الأزمة (2)

329ـ خطبة الجمعة: يا تجار الأزمة (2)

 

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبادَ الله، من المُقَرَّرِ في دِينِنا الحَنيفِ الذي أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ به، أنَّهُ إذا تعارَضَتِ المصلَحَةُ العامَّةُ مع المصلَحَةِ الخاصَّةِ، قُدِّمَتِ المصلَحَةُ العامَّةُ على المصلَحَةِ الخاصَّةِ، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جاءَ لِيَبنِيَ مُجتَمَعاً مُتماسِكاً، ولِيَكونَ كالبُنيانِ المرصوصِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رواه الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وبهذا الإسناد قالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ».

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إنَّ تَحويلَ العُملَةِ السُّوِيَّةِ إلى عُملَةٍ أجنَبِيَّةٍ فيها مَصلَحَةٌ للفردِ، بحيثُ يُحافِظُ بذلكَ على قِيمَتِها الشِّرائِيَّةِ، وهذا التَّحويلُ يُضِرُّ بِسَوادِ الأمَّةِ، لأنَّهُ صارَ سَبَباً في ارتِفاعِ الأسعارِ، فهل تَعتَقِدونَ بأنَّ شَرعَ الله تعالى يُجيزُ هذا؟

يا تُجَّارَ الأزمَةِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: قولوا لِتُجَّارِ الأزمَةِ: لقد رَجَّحتُمُ المصلَحَةَ الخاصَّةَ على المصلَحَةِ العامَّةِ، بِتَحويلِ العُملَةِ المحَلِّيَّةِ إلى عُملَةٍ أجنَبِيَّةٍ، لقد جَعَلتُمُ المالَ مُقَدَّماً على الأُخُوَّةِ الإيمانِيَّةِ، وهذا لا يَستَقيمُ مع المؤمنِ الذي يُحِبُّ الخَيرَ للآخَرينَ كما يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ، كيفَ يَستَقيمُ هذا، والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقولُ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

يا تُجَّارَ الأزمَةِ: من خلالِ قولِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر﴾ أُذَكِّرُكُم بِبَعضِ أحاديثِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أولاً: روى البزار بِسَنَدٍ حَسَنٍ عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ بينَ أيديكُم عَقَبَةً كَؤوداً، لا يَنجو منها إلا كُلُّ مُخِفٍّ».

ثانياً: روى الطبراني وابن عساكر بِسَنَدٍ حَسَنٍ عن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَؤُوداً، لَا يَقطَعُهَا إِلَّا كُلُّ مُخِفٍّ»

قَال: يَا رَسُولَ الله، أَمِنهُم أَنَا؟

قَال: «إِن لَم يَكُن عِندَكَ قُوتُ ثَلاثَةٍ فَأَنتَ مِنهُم».

ثالثاً: روى الطبراني بإسنَادٍ صَحِيحٍ عَن أُمِّ الدَردَاءِ، عَن أَبِي الدَّردَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، قالت: قلت لأبي الدَّرداءِ: ألا تَبتَغِي لِأَضيَافِكَ كَمَا يَبتَغِي فُلانٌ لِأَضيَافِهِ؟

قال: إِنِّي سَمِعتُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقولُ: «إِنَّ أَمَامَكُم عَقَبَةً كَؤُوداً، لَا يَجُوزُهَا المُثقِلُونَ» فَأَنَا أُحِبُّ أَن أَتَخَفَّفَ لِتِلكَ العَقَبَةِ.

رابعاً: روى الإمام أحمد بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ».

خامساً: روى الطبراني في الأوسطِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَن ثَوبَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ مِن أُمَّتِي مَنْ لَو جَاءَ أَحدَكُم يَسأَلُهُ دِينَارَاً لَم يُعطِهِ، وَلَو سَأَلَهُ دِرهَمَاً لَم يُعطِهِ، وَلَو سَأَلَهُ فَلْسَاً لَم يُعطِهِ، وَلَو سَألَ اللهَ الجَنَّة لَأعطَاهُ إيَّاهَا، ذُو طِمرَينِ لا يُؤبَهُ لَهُ، لَو أَقسَمَ عَلى الله لأَبَرَّهُ».

يا تُجَّارَ الأزمَةِ: ألا تَعلَمونَ أنَّ في المجتَمَعِ هذا الصِّنفَ مَوجودٌ، بحيثُ لو سألَ أحدُهُمُ اللهَ تعالى وأقسَمَ عليه أبَرَّ اللهُ تعالى قَسَمَهُ؟ هل يُرضيكُم إيذاءُ هؤلاءِ الأولياءِ الأخفِياءِ؟

وكونوا مُطمَئِنِّينَ بأنَّ أمثالَ هؤلاءِ لا يَدعونَ اللهَ تعالى عليكُم، لأنَّ قُلوبَهُم جُبِلَت على الشَّفَقَةِ والرَّحمَةِ بِخَلقِ الله تعالى جميعاً، وأرجو اللهَ تعالى أن لا تكونَ قُلوبُكُم نُزِعَت منها الرَّحمَةُ.

 يا تُجَّارَ الأزمَةِ: حِملُكُم ثَقِيلٌ إن كانَ مالُكُم حَلالاً، والعَقَبَةُ الصَّعبَةُ أمَامَكُم، ولكِنِ الأَسوأُ حَالاً أن تكونوا سَبَبَاً في غَلاءِ الأسعَارِ، ومَن كانَ سبَبَاً في غَلاءِ الأسعارِ فَليَسمَعْ حَدِيثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواهُ الإمامُ الحاكِمُ عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ المُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِن النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ» أي: بِمَكانٍ عَظِيمٍ في نَارِ جَهَنَّمَ.

يا تُجَّارَ الأزمَةِ: ألا تَعلَمونَ أنَّ بَلَدَنا مُحاصَرٌ من العالَمِ، وهذا الحِصارُ أدَّى إلى غلاءِ الأسعارِ؟ ألا تَعلَمونَ بأنَّكُم زِدتُمُ الطِّينَ بَلَّةً بِتَحويلِ عُملَتِكُمُ المحلِّيَّةِ إلى أجنَبِيَّةٍ؟ فهل أصبَحتُم أنتُم كذلكَ ضِدَّ سوادِ المسلمينَ في هذا البَلَدِ؟

لن تَضجَرَ هذهِ الأُمَّةُ إن شاءَ اللهُ تعالى:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أتَوَجَّهُ إلى تُجَّارِ الأزمَةِ وأقولُ لهُم بِلِسانِ سَوادِ هذهِ الأمَّةِ، بِلِسانِ الفُقَراءِ والمساكين، بِلِسانِ الجائِعينَ، بِلِسانِ المرضى، بِلِسانِ الأرامِلِ واليتامى، بِلِسانِ الضُّعَفاءِ، بِلِسانِ النَّازِحينَ، بِلِسانِ الذينَ سالَت دُموعُهُم على خُدودِهِم لأنَّهُم لا يَجِدونَ المالَ لِسَدِّ حوائِجِهِم:

كُونُوا على يَقِينٍ بأنَّ الأُمَّةَ التي تَتَّبعُ نَبِيَّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَن تَضجَرَ مَهمَا ارتَفَعتِ الأسعَارُ وغَلَت، كيفَ يَضجَرُ المُؤمِنُ وهوَ يَقرأُ قولَ الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾؟

سُلوانُ الأُمَّةِ في الأَزَمَاتِ هوَ سَيِّدُنا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فإذا غَلَتِ الأسعَارُ وارتَفَعت، وضَاقَتِ اليَدُ، وقَتَّرَ اللهُ تعالى في الرِّزقِ، فالمُؤمِنُ مُطمَئِنٌّ لأنَّهُ يَعلَمُ:

أولاً: بأنَّ المُشرِكِينَ حَاصَرُوا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شِعبِ أبي طَالِبٍ، وقَطَعُوا عَنهُ وعن أصحابِهِ المِيرةَ والمَادَّةَ والطَّعامَ حتى بَلَغَهُمُ الجُهدُ، والتَجَؤُوا إلى أَكلِ الأوراقِ والجُلُودِ، حتى كانُوا يَسمَعُونَ مِن وارءِ الشِّعبِ أصواتَ نِسائِهِم وفِتيانِهِم يَتَضَاغَونَ مِنَ الجُوعِ، وكَانَ لا يَصِلُ إليهم شيءٌ إلَّا سِرَّاً، ودَامَ الحِصارُ ثلاثَةَ أَعوامٍٍ.

نَعَم، إن حُوصِرَ هذا البَلَدُ مِنَ الخَارِجِ فَلَن يَضجَرَ أهلُهُ بإِذنِ اللهِ تعالى، وإن أَعانَ تُجَّارُ الأزمَةِ العَالَمَ على مَحاصَرَةِ هذا البَلَدِ فلا حَرَجَ، وحِسابُنَا وحِسابُهُم على الله تعالى.

أُمَّةٌ عَرَفَت نَبِيَّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأنَّهُ حُوصِرَ ثَلاثَةَ أعوَامٍ، فَلَن تَضجَرَ بإذنِ الله تعالى إن حُوصِرتْ وضُيِّقَ عليهَا.

ثانياً: وأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما شَبِعَ مِن خُبزِ حِنطَةٍ ثلاثَةَ أيامٍ تِبَاعاً، روى الإمام مسلم عن أَبي حَازِمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ مِرَاراً يَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، مَا شَبِعَ نَبِيُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعاً مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.

ثالثاً: وأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ إذا جاعَ تَضَرَّعَ إلى اللهِ تعالى وذَكَرَهُ، وإذا شَبِع شَكَرَهُ وحَمِدَهُ، روى الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَباً، قُلْتُ لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْماً وَأَجُوعُ يَوْماً، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ».

رابعاً: وأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ أكثَرَ طَعامِهِ الأسودَينِ، التَّمرَ والماءَ، روى الإمام البخاري عَنْ عُرْوَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَارٌ.

فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ، مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟

قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ، التَّمْرُ وَالْمَاءُ.

خامساً: وأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ يَربِطُ الأحجارَ على بَطنِهِ منَ الجوعِ، روى الترمذي عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجَرَيْنِ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

وفي الخِتَامِ أُذَكِّرُ تُجَّارَ الأزمَةِ بحديثٍ عن سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَعَلَّهُ أن يُباشِرَ شِغافَ قُلوبِهِم.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «هُمْ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ».

فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ، فَلَمْ أَتَقَارَّ ـ أي: لم أتَمَكَّن من الاستِقرارِـ أَنْ قُمْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَنْ هُمْ؟

قَالَ: «هُمْ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً إِلَّا مَنْ ـ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ـ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ».

يا تُجَّارَ الأزمَةِ: كونوا على يَقينٍ بأنَّ هُناكَ من التُّجَّارِ الذينَ استثناهُم سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بقولِهِ: «إِلَّا مَنْ ـ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا». نعم، هُناكَ هذا الصِّنفُ الذينَ بَلَغوا دَرَجَةَ الإحسانِ، وانطَبَقَ عليهِم قولُ الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِين * كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم﴾.

هؤلاءِ يَعرِفونَ أنَّ للفُقَراءِ حَقَّاً في أموالِهِم سوى الزَّكاةِ، فهُم يُعطونَ عطاءَ من لا يَخشى الفَقرَ.

وكذلكَ أُذَكِّرُ الأمَّةَ المَكلومَةَ المَجروحَةَ التي رُفِعَتِ الأسعارُ عليها بِسَبَبِ قِلَّةِ البضائِعِ وبِسَبَبِ تَحويلِ العُملَةِ المحَلِّيَّةِ إلى عُملَةٍ أجنَبِيَّةٍ، بحديثِ سيِّدِنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام أحمد عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى».

آثِري يا أيَّتُها الأمَّةُ الآخِرَةَ الباقِيَةَ على الدُّنيا الفانِيَةِ، واحذَري الحرامَ لأنَّهُ وَقودٌ لنارِ جَهَنَّمَ والعِياذُ بالله تعالى.

اللَّهُمَّ أغنِنا بِحَلالِكَ عن حَرامِكَ، وبِطَاعَتِكَ عن مَعصِيَتِكَ، وبِفَضلِكَ عمَّن سِواكَ، ولا تَنزَعِ الرَّحمَةَ من قُلوبِنا، واجعَلنا ممَّن آثَرَ ما يَبقى على ما يَفنى. آمين.

أقولُ هَذا القَولَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 15/رجب /1434هـ، الموافق:24/أيار / 2013م

 2013-05-24
 14607
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 120 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 120
12-04-2024 737 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 737
09-04-2024 578 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 578
04-04-2024 695 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 695
28-03-2024 593 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 593
21-03-2024 1045 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1045

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412989536
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :