101- مع الصحابة وآل البيت:«قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»

101- مع الصحابة وآل البيت:«قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

101ـ «قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلَاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلَاً﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعَاً بَصِيرَاً﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرَاً﴾.

لَقَدِ ابْتَلَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَنْبِيَاءَ وَالمُرْسَلِينَ بِأُمَمِهِمْ، كَمَا ابْتَلَى الأُمَمَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَالكُلُّ مَسْؤُولٌ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِينَ﴾.

ابْتَلَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الحَاكِمَ بِالمَحْكُومِ، وَالمَحْكُومَ بِالحَاكِمِ، كَمَا ابْتَلَى القَوِيَّ بِالضَّعِيفِ، وَالضَّعِيفَ بِالقَوِيِّ، وَالغَنِيَّ بِالفَقِيرَ، وَالفَقِيرَ بِالغَنِيِّ، وَابْتَلَى أَهْلَ الإِيمَانِ بِأَهْلِ الشِّرْكِ، وَابْتَلَى أَهْلَ الـشِرْكِ بِأَهْلِ الإِيمَانِ، الكُلُّ مُبْتَلَىً، وَالكُلُّ مُخْتَبَرٌ وَمُمْتَحَنٌ، كُلُّ وَاحِدٍ مُبْتَلَىً عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟

قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَـمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».

مِنْ صُوَرِ الابْتِلَاءِ الخَوْفُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَقِفْ وِقْفَةَ تَدَبُّرٍ وَتَأَمُّلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى في القَرَارِ المُبْرَمِ، حَيْثُ مَا يُبَدَّلُ قَوْلُ اللهِ تعالى، وَهُوَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ للعَبِيدِ، يَقُولُ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾. الابْتِلَاءُ بِالخَوْفِ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ.

وَمِنْ صُوَرِ الابْتِلَاءِ بِالخَوْفِ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تعالى في حَقِّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ في غَزْوَةِ الخَنْدَقِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحَاً وَجُنُودَاً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرَاً * إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالَاً شَدِيدَاً * وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورَاً﴾.

هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ يُجَلِّيهَا لَنَا سَيِّدُنَا حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، روى الإمام مسلم عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ (أَيْ: بَالَغْتُ في نُصْرَتِهِ).

فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ، وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ (هُوَ البَرْدُ) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟».

فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟».

فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟».

فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَقَالَ: «قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ».

فَلَمْ أَجِدْ بُدَّاً إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ.

قَالَ: «اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ (أَيْ: لَا تُحَرِّكْهُمْ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَخَذُوكَ كَانَ ذَلِكَ ضَرَرَاً عَلَيَّ، لِأَنَّكَ رَسُولِي وَصَاحِبِي)».

فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ (يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَجِدِ البَرْدَ الذي يَجِدُهُ النَّاسُ) فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ (أَيْ: يُدْفِئُهُ) فَوَضَعْتُ سَهْمَاً فِي كَبِدِ الْقَوْسِ (هُوَ مِقْبَضُهَا) فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ». وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ، فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ (أَيْ: بَرَدْتُ) فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمَاً حَتَّى أَصْبَحْتُ.

فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: «قُمْ يَا نَوْمَانُ».

وفي رِوَايَةِ أبي عوانة قَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اسْتَقْبَلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلَاً رَجُلَاً، فَقَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ اللَّيْلَةَ جَعَلَهُ اللهُ رَفِيقَاً لِمُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

قَالَ: فَمَا مِنْهُمْ رَجُلٌ يَقُومُ.

قَالَ: فَمَا زَالَ يَسْتَقْبِلُهُمْ رَجُلَاً رَجُلَاً حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ، وَمَا عَلَيَّ جُنَّةٌ (وِقَايَةٌ لِنَفْسِي) مِنَ الْعَدُوِّ، وَلَا مِنَ الْبَرْدِ إِلَّا مِرْطٌ (كِسَاءٌ) لَا يُجَاوِزُ رُكْبَتِي؛ فَأَتَانِي وَأَنَا جَاثِي عَلَى رُكْبَتِي، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟ حُذَيْفَةُ؟».

فَتَقَاصَرْتُ بِالْأَرْضِ، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَقُومَ.

فَقَالَ: «قُمْ».

فَقُمْتُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ كَائِنٌ فِي الْقَوْمِ خَبَرٌ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ».

قَالَ: وَأَنَا مِنْ أَشَدِّ الرِّجَالِ فَزَعَاً وَأَشَدِّهِمْ قُرَّاً (أَيْ: أَشَدُّهُمْ خَوْفَاً وَبَرْدَاً) فَخَرَجْتُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ».

قَالَ: فَوَاللهِ مَا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَزَعَاً وَلَا قُرَّاً أَجِدُهُ فِي جَوْفِي إِلَّا خَرَجَ مِنْ جَوْفِي، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْ عَسْكَرِ الْقَوْمِ نَظَرْتُ فِي ضَوْءِ نَارٍ لَهُمْ تُوقَدُ، وَإِذَا رَجُلٌ ضَخْمٌ آدَمٌ (أَسْمَرٌ) يَقُولُ بِيَدَيْهِ عَلَى النَّارِ وَيُسَخِّنُ خَاصِرَتَهُ، وَيَقُولُ: الرَّحِيلَ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَبَا سُفْيَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَانْتَزَعْتُ سَهْمَاً مِنْ كِنَانَتِي أَبْيَضَ الرِّيشِ فَأَضَعُهُ عَلَى كَبِدِ قَوْسِي لِأَرْمِي بِهِ فِي ضَوْءِ النَّارِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئَاً حَتَّى تَأْتِيَ».

فَأَمْسَكْتُ وَرَدَدْتُ سَهْمِي ثُمَّ إِنِّي شَجَّعْتُ نَفْسِي حَتَّى دَخَلْتُ الْعَسْكَرَ فَإِذَا أَدْنَى النَّاسِ بَنِي عَامِرٍ، وَيَقُولُونَ: يَا آلَ عَامِرٍ الرَّحِيلَ، لَا مُقَامَ لَكُمْ؛ وَإِنَّ الرِّيحَ فِي عَسْكَرِهِمْ مَا تُجَاوِزُ عَسْكَرَهُمْ شِبْرَاً، قَدْ دَفَنَتْ رِحَالَهُمْ وَطَنَافِسَهُمْ (بُسُطَهُمْ) يَسْتَتِرُونَ بِهَا مِنَ التُّرَابِ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَلَمَّا اسْتَوَيْتُ بَيْنَهُمَا قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ طَلَائِعٍ، فَلْيَسْأَلْ كُلُّ رَجُلٍ جَلِيسَهُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَأَسْمَعُ صَوْتَ الْحِجَارَةِ فِي رِحَالِهِمْ وَفُرُشِهِمْ، الرِّيحُ تَضْرِبُهُمْ بِهَا، فَقُلْتُ لِلَّذِي عَنْ يَمِينِي: مَنْ أَنْتَ؟ وَقُلْتُ لِلَّذِي عَنْ شِمَالِي: مَنْ أَنْتَ؟

ثُمَّ خَرَجْتُ نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ بِيَ الطَّرِيقُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِذَا أَنَا بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ فَارِسَاً مُعْتَمِّينَ، فَقَالُوا لِي: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّ اللهَ قَدْ كَفَاهُ الْقَوْمَ.

فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ بِشَمْلَةٍ يُصَلِّي، فَوَاللهِ مَا عَدَا أَنْ رَجَعْتُ رَجَعَ إِلَيَّ الْقُرُّ (البَرْدُ) رَجَعْتُ أُقَرْقِفُ، فَأَوْمَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ بِيَدِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَأَسْبَلَ عَلَيَّ شَمْلَتَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى؛ فَأُخْبِرَ خَبَرَ الْقَوْمِ، وَأُخْبِرَ أَنَّهُمْ يَتَرَحَّلُونَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحَاً وَجُنُودَاً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرَاً﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا مِنَحٌ وَمِحَنٌ، وَأَفْرَاحٌ وَأَتْرَاحٌ، وَآمَالٌ وَآلَامٌ، وَدَوَامُ الحَالِ مِنَ المُحَالِ، نَرَى الكَدَرَ بَعْدَ الصَّفَاءِ، وَنَرَى الحُزْنَ بَعْدَ الفَرَحِ، وَنَرَى المَرَضَ بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَنَرَى المَوْتَ بَعْدَ الحَيَاةِ، وَنَرَى الخَوْفَ بَعْدَ الأَمْنِ، وَنَرَى الجُوعَ بَعْدَ الشِّبَعِ، وَنَرَى الفَقْرَ بَعْدَ الغِنَى، وَهَكَذَا ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾.

هَذِهِ هِيَ طَبِيعَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهَذِهِ أَحْوَالُهَا، وَلَيْسَ للمُؤْمِنِ الصَّادِقِ سِلَاحٌ فِيهَا إِلَّا الصَّبْرُ عَلَى تَقَلُّبَاتِهَا، فَالصَّبْرُ هُوَ الدَّوَاءُ لِأَدْوَاءِ الدُّنْيَا.

يَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: جَرَّبْنَا وَجَرَّبَ المُجَرِّبُونَ، فَلَمْ نَرَ شَيْئَاً أَنْفَعَ مِنَ الصَّبْرِ، بِهِ تُدَاوَى الْأُمُورُ، وَهُوَ لَا يُدَاوَى بِغَيْرِهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تعالى بِالصَّبْرِ عِنْدَ الابْتِلَاءِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الابْتِلَاءُ بِالخَوْفِ، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

فَالصَّبْرُ سَبَبُ العَوْنِ وَالمَعِيَّةِ الإِلَهِيَّةِ، وَسَبَبٌ لِـبُشْرَى عَظِيمَةٍ قَالَ اللهُ تعالى عَنْهَا: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾.

الصَّحَابَةُ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ صَبَرُوا عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الابْتِلَاءَاتِ، فَكَانَ صَبْرُهُمْ سَبَبَاً لِثَبَاتِ عَزِيمَتِهِمْ، وَكَانَ سَبَبَاً لِدَوَامِ بَذْلِهِمْ وَعَطَائِهِمْ؛ بِصَبْرِهِمْ عَالَجُوا مَغَالِيقَ الأُمُورِ، لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ أَفْضَلَ عُدَّةٍ للشَّدَائِدِ هُوَ الصَّبْرُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الصَّابِرِينَ عَلَى طَاعَتِكَ، وَمِنَ الصَّابِرِينَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ، وَمِنَ الصَّابِرِينَ عَلَى قَضَائِكَ وَقَدَرِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 7/ شعبان /1438هـ، الموافق: 4/ أيار / 2017م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1380 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1380
13-02-2020 1915 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1915
23-01-2020 2548 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2548
16-01-2020 975 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 975
09-01-2020 1305 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1305
03-01-2020 1000 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1000

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411940936
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :