560ـ خطبة الجمعة: الحج يربي الأمة على الاتباع

560ـ خطبة الجمعة: الحج يربي الأمة على الاتباع

 

560ـ خطبة الجمعة: الحج يربي الأمة على الاتباع

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَحْمَتِهِ بِأُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ جَعَلَ العِبَادَاتِ مُتَنَوِّعَةً، لِيُقْبِلُوا عَلَيْهِ بِهَا فَيَزِيدَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ، وَيَغْفِرَ لَهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، مِنْ هَذِهِ العِبَادَاتِ الحَجُّ، الذي هُوَ رُكْنٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْكَانِ هَذَا الدِّينِ العَظِيمِ؛ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ المَشْهُورِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَالمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».

الإِسْلَامُ صَرْحٌ عَظِيمٌ وَبِنَاءٌ ضَخْمٌ فِيهِ أَحْكَامُ وَنِظَامُ حَيَاةٍ، فِيهِ دُسْتُورٌ كَامِلٌ نَظَّمَ عَلَاقَةَ العَبْدِ مَعَ رَبِّهِ، وَمَعَ نَفْسِهِ، وَمَعَ أُسْرَتِهِ، وَمَعَ جِيرَانِهِ، وَأَهْلِ بَلْدَتِهِ، وَمَعَ أَصْحَابِهِ، وَحَتَّى مَعَ أَعْدَائِهِ، مَعَ المَخْلُوقَاتِ جَمِيعَاً، هَذَا البِنَاءُ الضَّخْمُ العَظِيمُ هُوَ الإِسْلَامُ، جَعَلَهُ اللهُ تعالى مَبْنِيَّاً عَلَى خَمْسٍ.

الحَجُّ يُرَبِّي الأُمَّةَ عَلَى الاتِّبَاعِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ رُكْنٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، لَا يَجِبُ عَلَى الفَرْدِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً في عُمُرِهِ، وَبِإِمْكَانِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذِهِ العِبَادَةَ خِلَالَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ مَعْدُودَةٍ، لَا تَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ.

هَذَا الرُّكْنُ العَظِيمُ يُرَبِّي الحُجَّاجَ وَغَيْرَهُمْ عَلَى الاتِّبَاعِ للمَنْهَجِ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دُونَ جَدَلٍ وَلَا اعْتِرَاضٍ، عَرَفُوا الحِكْمَةَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوهَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلَوْلَا أَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ حَفِظَ لَنَا السُّنَّةَ وَأَحَادِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تُنَفِّذُ الأُمَّةُ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلَاً﴾؟

يَا عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ، يُعَلِّمُ الأُمَّةَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالاسْتِسْلَامِ لِأَمْرِ اللهِ تعالى، عَرَفَتِ الأُمَّةُ العِلَّةَ مِنَ الأَحْكَامِ أَمْ لَمْ تَعْرِفْهَا، المُهِمُّ أَنَّ شَعَائِرَ الحَجِّ نُقِلَتْ للأُمَّةِ نَقْلَاً صَحِيحَاً مَوْثُوقَاً.

لِمَاذَا الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ سَبْعَاً؟ وَهَلْ ثَبَتَ الطَّوَافُ في القُرْآنِ العَظِيمِ؟

لِمَاذَا تَقْبِيلُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ؟ وَهَلْ ثَبَتَ تَقْبِيلُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ في القُرْآنِ العَظِيمِ؟

لِمَاذَا الحَلْقُ أَو التَّقْصِيرُ في الحَجِّ؟

لِمَاذَا ثِيَابُ الإِحْرَامِ بِهَذِهِ الكَيْفِيَّةِ؟

لِمَاذَا الرَّمْيُ بِتِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ أَو سَبْعِينَ حَصَاةً؟

لِمَاذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ؟

جَمِيعُ أَعْمَالِ الحَجِّ تُعَلِّمُ الحُجَّاجَ وَالأُمَّةَ كُلَّهَا أَنْ تَقُولَ لِجَمِيعِ أَوَامِرِ اللهِ تعالى وَأَوَامِرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ عَلَّمَنَا الاسْتِسْلَامَ لِأَوَامِرِ اللهِ تعالى، وَأَوَامِرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اسْتِسْلَامَاً مُطْلَقَاً بِدُونِ نِقَاشٍ وَلَا جَدَلٍ، عَرَفْنَا العِلَّةَ وَالغَايَةَ أَمْ لَمْ نَعْرِفْ.

الحَجُّ يُعَلِّمُنَا الانْقِيَادَ بِدُونِ تَوَقُّفٍ وَلَا تَرَدُّدٍ، فَإِنْ قَالَ لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا﴾. فَعَلَيْنَا أَنْ نُرْعِهَا سَمْعَنَا، وَأَنْ نَقُولَ بِلَا تَرَدُّدٍ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا لِأَمْرِكَ وَلِنَهْيِكَ يَا رَبَّنَا؛ وَلَو زُرِعَتْ هَذِهِ في قُلُوبِنَا كَمَا زُرِعَتْ في قُلُوبِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ لَكَانَتْ سِرَّ نَجَاحِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، وَلَكَانَتْ سِرَّ سِيَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا الرُّكْنُ العَظِيمُ الذي شُيِّدَ عَلَيْهِ الإِسْلَامُ مَعَ بَقِيَّةِ الأَرْكَانِ يُذَكِّرُ الأُمَّةَ بِيَوْمِ القِيَامَةِ، حَيْثُ الشَّبَهُ كَبِيرٌ جِدَّاً بَيْنَ الحَجِّ وَيَوْمِ القِيَامَةِ، الكُلُّ ثِيَابٌ وَاحِدَةٌ، الكُلُّ مُتَوَجِّهُونَ إلى رَبٍّ وَاحِدٍ، الكُلُّ وَضَعُوا حَوَائِجَهُمْ بِبَابِ مَوْلَاهُمْ.

هَذَا الرُّكْنُ العَظِيمُ يُذَكِّرُ الأُمَّةَ بِيَوْمِ القِيَامَةِ، بِيَوْمِ الحِسَابِ الذي يَضْبِطُ حَرَكَاتِ المُؤْمِنِ الظَّاهِرَةَ وَالبَاطِنَةَ، لِأَنَّ مُعْظَمَ الفَسَادِ وَالمَعَاصِي وَالضَّلَالِ يَحْصُلُ بِسَبَبِ نِسْيَانِ يَوْمِ القِيَامَةِ ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؟

سَبَبُ الضَّلَالِ وَالانْحِرَافِ نِسْيَانُ يَوْمِ الحِسَابِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: نِسْيَانُ يَوْمِ الحِسَابِ كَارِثَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمُصِيبَةٌ كُبْرَى، وَوَاللهِ لَو تَذَكَّرَتِ الأُمَّةُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَوْمَ الحِسَابِ لَحُلَّت جَمِيعُ مَشَاكِلِها، مَنْ تَذَكَّرَ يَوْمَ الحِسَابِ هَلْ يَرْتَشِي؟ هَلْ يَظْلِمُ؟ هَلْ يَسْرِقُ؟ هَلْ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ؟ هَلْ يَكْذِبُ؟ هَلْ يَفْتَرِي؟ هَلْ يَزْنِي؟ هَلْ يَشْرَبُ الخَمْرَ؟ هَلْ يَعُقُّ وَالِدَيْهِ؟ هَلْ يَظْلِمُ زَوْجَتَهُ؟

صَلَاحُ الأَرْضِ بِتَذَكُّرِ يَوْمِ القِيَامَةِ وَيَوْمِ الحِسَابِ، وَالحَجُّ تَذْكِرَةٌ عَلَنِيَّةٌ وَاضِحَةٌ صَرِيحَةٌ قَوِيَّةٌ، وَكَأَنَّ الحَجَّ يَقُولُ: اسْتَيْقِظُوا يَا عِبَادَ اللهِ.

اللَّهُمَّ أَيْقِظْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 3/ ذو الحجة/1438هـ، الموافق: 25/ آب / 2017م

 2017-08-25
 1941
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 15 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 15
12-04-2024 637 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 637
09-04-2024 549 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 549
04-04-2024 678 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 678
28-03-2024 568 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 568
21-03-2024 1000 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1000

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412723827
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :