107ـ نحو أسرة مسلمة: الأجور المترتبة على الزواج (4)

107ـ نحو أسرة مسلمة: الأجور المترتبة على الزواج (4)

 

نحو أسرة مسلمة

107ـ الأجور المترتبة على الزواج (4)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: الزَّوَاجُ من الأُمُورِ الفِطْرِيَّةِ الجِبِلِّيَّةِ التي لا غِنَى لِكَائِنٍ حَيٍّ عَنْهَا إِذَا أَرَادَ الحَيَاةَ الكَريمَةَ الهَادِئَةَ المُطْمَئِنَّةَ لِنَفْسِهِ وَلِمُجْتَمِعِهِ، وَهُوَ آيَةٌ من آيَاتِ اللهِ تعالى البَاهِرَةِ، وَنِعْمَةٌ من نِعَمِهِ العَظِيمَةِ، تَحْصُلُ بِهِ المَوَدَّةُ والرَّحْمَةُ، والأُنْسُ والسَّكَنُ، والرَّاحَةُ والطُّمَأْنِينَةُ.

أيُّها الإخوة الكرام: الزَّوَاجُ فِيهِ مَنَافِعُ عَظِيمَةٌ، بِهِ تُبْنَى الحَيَاةُ البَشَرِيَّةُ، وَيُحْفَظُ الجِنْسُ البَشَرِيُّ من الزَّوَالِ والانْقِرَاضِ، وَبِهِ تُصَانُ الأَنْسَابُ عَن الاخْتِلاطِ والضَّيَاعِ، والأَنْظَارُ عَن النَّظَرِ إلى الحَرَامِ، والفُرُوجُ عَن الوُقُوعِ فِيمَا لا يَحِلُّ، إِضَافَةً إلى كُلِّ هذا فَقَد رَتَّبَ اللهُ عزَّ وجلَّ أُجُورَاً عَظِيمَةً لِمَنِ اسْتَجَابَ إلى نِدَاءِ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾. وَلِمَنِ امْتَثَلَ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾. من جُمْلَةِ ذَلِكَ، أَعْطَاهُ أَجْرَ طَاعَتِهِ، وَأَجْرَ إِحْيَاءِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَجْرَ النَّفَقَةِ، وَأَجْرَ تَرْبِيَةِ الأَوْلادِ، وَأَجْرَ التَّعَاوُنِ على طَاعَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

أَجْرُ الصَّبْرِ على مَوْتِ الوَلَدِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلى عَبْدِهِ أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَجْرَ الشُّكْرِ على النِّعْمَةِ، كَمَا أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَجْرَ الصَّبْرِ على فَقْدِهَا، لِأَنَّ رَبَّنَا عزَّ وجلَّ سَاقَ إِلَيْنَا النِّعَمَ للاخْتِبَارِ والابْتِلاءِ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾. سَاقَ هذهِ النِّعَمَ، وَعَلَّمَنَا بِأَنَّهَا لَنْ تَدُومَ، لِأَنَّهَا كَانَتْ للاخْتِبَارِ والابْتِلاءِ، وهذا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ الشَّرِيف الذي رواه الحاكم عَن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَن أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ».

أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا يُكْرِمُ اللهُ تعالى العَبْدَ بِنِعْمَةِ الوَلَدِ، فَيُحْسِنُ تَرْبِيَتَهُ، وَيَشْكُرُ رَبَّهُ عزَّ وجلَّ عل هذهِ النِّعْمَةَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ امْتِدَادَاً لِعَمَلِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَيَنْتَفِعُ الوَالِدُ بالوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ بالدُّعَاءِ لَهُ، والاسْتِغْفَارِ لَهُ، وَأَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ تَكُونُ في صَحِيفَةِ أَعْمَالِهِ.

وَكَذَلِكَ يُكْرِمُهُ اللهُ تعالى بِأَجْرِ الصَّبْرِ على فَقْدِهِ، إِذَا مَاتَ الوَلَدُ في حَيَاةِ وَالِدِهِ.

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِن الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ». (أَيْ: تَحْلِيلُ اليَمِينِ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾).

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِ انْتِقَاصٌ وَلَا وَهْمٌ.

قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ وُلِدَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فِي الْإِسْلَامِ، فَمَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ (أَيْ: لَمْ يُدْرِكُوا فَيُكْتَبَ عَلَيْهِمُ الإِثْمُ) أَدْخَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَتْ لَهُ نُورَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بَلَغَ بِهِ الْعَدُوَّ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ، وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوَاً مِنْهُ مِن النَّارِ، وَمَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَيْ: تَصَدَّقَ بِهِ فِي سَبِيل الْخَيْر مُطْلَقَاً أَوْ فِي الْجِهَاد) فَإِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ يُدْخِلُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ مِنْهَا الْجَنَّةَ».

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: وَكَذَلِكَ إِذَا مَاتُوا بَعدَ البُلُوغِ، فَقَبلَ البُلُوغِ لِعِصْمَتِهِم وَشَفَاعَتِهِم، وبَعدَ البُلُوغِ لِمَزِيدِ التَأَسُّفِ عَلَى وَفَاتِهِم والصَّبْرِ عَلَيهِم.

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمَاً مِنْ نَفْسِكَ؛ فَوَعَدَهُنَّ يَوْمَاً لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابَاً مِن النَّارِ».

فَقَالَت امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟

فَقَالَ: «وَاثْنَتَيْنِ».

وروى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ كَانُوا لَهُ حِصْنَاً حَصِينَاً مِن النَّارِ».

قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ.

قَالَ: «وَاثْنَيْنِ».

فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ: قَدَّمْتُ وَاحِدَاً.

قَالَ: «وَوَاحِدَاً، وَلَكِنْ إِنَّمَا ذَاكَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى».

وروى الإمام مالك في المُوَطَّأ عَنْ أَبِي النَّضْرِ السَّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِن الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِن الْوَلَدِ فَيَحْتَسِبُهُمْ، إِلَّا كَانُوا لَهُ جُنَّةً (وِقَايَةً) مِن النَّارِ».

فَقَالَت امْرَأَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَو اثْنَانِ؟

قَالَ: «أَو اثْنَانِ».

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَت امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِوَلَدٍ لَهَا مَرِيضٍ يَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةِ.

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ مَاتَ لِي ثَلَاثَةٌ.

قَالَ: «فِي الْإِسْلَامِ؟»

قَالَتْ: فِي الْإِسْلَامِ.

فَقَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقَدِّمُ ثَلاَثَةً فِي الإِسْلاَمِ، لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ يَحْتَسِبُهُمْ، إِلا احْتَظَرَ بِحَظِيرٍ مِنَ النَّارِ».

بِصَبْرِكَ على المُصِيبَةِ يُعَوِّضُكَ اللهُ تعالى خَيْرَاً مِنْهَا:

أيُّها الإخوة الكرام: مَن أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِنِعْمَةِ الزَّوَاجِ، وَاتَّقَى اللهَ تعالى في زَوْجَتِهِ وَأَوْلادِهِ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِنِعَمٍ عَظِيمَةٍ، من جُمْلَةِ هذهِ النِّعَمِ أَنَّ اللهَ تعالى يُعَوِّضُهُ خَيْرَاً مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ.

روى الإمام البخاري عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اشْتَكَى ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ.

قَالَ: فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، هَيَّأَتْ شَيْئَاً وَنَحَّتْهُ (هَيَّأت شَيئاً مِن حَالِهَا، أو هيَّأتِ الصَّبِيَّ بالغُسْلِ والكَفَنِ)  فِي جَانِبِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: كَيْفَ الْغُلَامُ؟

قَالَتْ: قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَد اسْتَرَاحَ، وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ.

قَالَ: فَبَاتَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ.

فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ مِنْهُمَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا».

قَالَ سُفْيَانُ: فَقَالَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ: فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلَادٍ، كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ.

والابْنُ المَذْكُورُ هُوَ أَبُو عُمَيْرٍ الذي كَانَ يُمَازِحُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقَاً، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ ـ قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمَاً ـ وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» (النَّغر: طَائِرٌ صَغِيرٌ يُشْبِهُ العُصْفُورَ أَحمَرُ المِنْقَارِ) نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا».

يَثْقُلُ مِيزَانُ وَالِدَيْهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إِذَا أَكْرَمَ اللهُ تعالى العَبْدَ بالزَّوَاجِ وَرَزَقَهُ الوَلَدَ، وَأَخَذَهُ اللهُ تعالى، وَصَبَرَ الوَالِدَانِ على فَقْدِهِ، وَاحْتَسَبَاهُ عِنْدَ اللهِ تعالى، فَلَهُمَا أَجْرٌ عَظِيمٌ، وَيُثَقِّلُ اللهُ تعالى مِيزَانَهُمَا يَوْمَ القِيَامَةِ.

روى الإمام الحاكم عَنْ أَبِي سَلْمَى مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَخٍ بَخٍ (كَلِمَةٌ تُقَالُ عِندَ المَدْحِ والرِضَى بِالشَّيءِ)، بِخَمْسٍ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ، سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، ولَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى للمُسْلِمِ فَيَحْتَسِبُهُ».

يَجُرُّ أُمَّهُ إلى الجَنَّةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لا تَحْرِمُوا أَبْنَاءَكُم ولا بَنَاتِكُم من الزَّوَاجِ، وَعَجِّلوُا في تَزْوِيجِ مَن لا زَوْجَ لَهُ، لِيَنَالَ الأُجُورَ العَظِيمَةَ، والتي مِنْهَا أَجْرُ فَقْدِ الوَلَدِ، بَلْ أَجْرُ فَقْدِ السِّقْطِ.

روى الإمام أحمد عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يُتَوَفَّى لَهُمَا ثَلَاثَةٌ إِلَّا أَدْخَلَهُمَا اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمَا».

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَو اثْنَانِ؟

قَالَ: «أَو اثْنَانِ».

قَالُوا: أَوْ وَاحِدٌ؟

قَالَ: «أَوْ وَاحِدٌ».

ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ السِّقْطَ (أَيْ: مَا يُولَدُ مَيْتَاً) لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ إِذَا احْتَسَبَتْهُ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: من حُرِمَ نِعْمَةَ الزَّوَاجِ فَقَد حُرِمَ الكَثِيرَ من الخَيْرَاتِ والأُجُورِ، والتي من جُمْلَتِهَا نِعْمَةُ الصَّبْرِ على فَقْدِ الوَلَدِ، بَعدَ البُلُوغِ أَو قَبْلَهُ.

روى الترمذي «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟

فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.

فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟

فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.

فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟

فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ.

فَيَقُولُ اللهُ: اُبْنُوا لِعَبْدِي بَيْتَاً فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ».

أيُّها الإخوة الكرام: كَمْ هُوَ فَضْلُ اللهِ تعالى عَظِيمٌ في العَطَاءِ والمَنْعِ؟ وَكَمْ هِيَ خَسَارَةُ الشَّبَابِ والشَّابَّاتِ عِنْدَمَا عَزَفُوا عَن الزَّوَاجِ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 24/ صفر /1437هـ، الموافق: 6/ كانون الأول / 2015م

 2015-12-06
 953
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4084 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4084
21-01-2018 4916 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4916
14-01-2018 3526 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3526
08-01-2018 4121 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4121
31-12-2017 4150 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4150
24-12-2017 3919 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3919

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412390672
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :