462ـ خطبة الجمعة: الصلاح ليس كفيلاً للنجاة

462ـ خطبة الجمعة: الصلاح ليس كفيلاً للنجاة

 

 462ـ خطبة الجمعة: الصلاح ليس كفيلاً للنجاة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

لَوْ رَجَعْنَا إلى سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَبَعْدَ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّا نَجِدُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ صَالِحَاً، وَبَعْدَ الرِّسَالَةِ صَارَ مُصْلِحَاً.

قَبْلَ الرِّسَالَةِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَصِفُهُ بِصِفَاتِ الكَمَالِ، فَهُوَ عِنْدَهُمُ الصَّادِقُ الأَمِينُ، المُتَّصِفُ بِصِفَاتِ الكَمَالِ، وَبَعْدَ الرِّسَالَةِ تَغَيَّرَتِ المَوَاقِفُ ـ لأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ يَأْمُرُ بالمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَن المُنْكَرِ، وَخَالَفَ أَهْوَاءَ قَوْمِهِ ـ تَغَيَّرَتِ المَوَاقِفُ وَاتَّهَمُوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِصِفَاتٍ مُغَايِرَةٍ، والمَطْلُوبُ من المُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ صَالِحَاً وَمُصْلِحَاً.

سَبِيلُ النَّجَاةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، لا سَبِيلَ للنَّجَاةِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ من كَوَارِثَ وَقَوَارِعَ إلا باللُّجُوءِ  إلى اللهِ تعالى، وَتَجْدِيدِ التَّوْبَةِ والاسْتِغْفَارِ، وَسُلُوكِ سَبِيلِ الإِصْلاحِ، وذلكَ بالأَمْرِ بالمَعْرُوفِ، والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، بِلادٌ تَأْمُرُ بالمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَن المُنْكَرِ، بِلادٌ مَحْمِيَّةٌ من عَذَابِ اللهِ تعالى، وَمَأْمُونَةٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾. لأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آمِرٌ بالمَعْرُوفِ، وَنَاهٍ عَن المُنْكَرِ، وقَالَ تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلا قَلِيلَاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾.

صَمَّامُ أَمَانٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ، الأَمْرُ بالمَعْرُوفِ، والنَّهْيُ عَن المُنْكَرِ، صَمَّامُ الأَمَانِ للأُمَّةِ، بِهِ يَدْفَعُ اللهُ النِّقَمَ والكَوَارِثَ والعُقُوبَاتِ العَامَّةِ على الأُمَّةِ، وَبِضَيَاعِهِ تَسْتَوْجِبُ الأُمَّةُ العِقَابَ العَامَّ، وهذا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام أحمد عَنْ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾. وَإِنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ».

الصَّلاحُ لَيْسَ كَفِيلاً للنَّجَاةِ من العُقُوبَاتِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، الصَّلاحُ لَيْسَ كَفِيلاً للنَّجَاةِ من العُقُوبَاتِ الإِلَهِيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. الصَّلاحُ لَيْسَ كَفِيلاً لِرَفْعِ الأَزْمَةِ والكُرُبَاتِ والشَّدَائِدِ والمِحَنِ عَن هذهِ الأُمَّةِ، بَلْ الكَفِيلُ هُوَ الصَّلاحُ والإِصْلاحُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولَاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، الأَمْرُ بالمَعْرُوفِ، والنَّهْيُ عَن المُنْكَرِ، هُوَ الكَفِيلُ في رَفْعِ الغُمَّةِ التي تَعِيشُهَا هذهِ البِلادُ، وإلا تَحَقَّقَ وَعِيدُ اللهِ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾. لَمْ يَقُلْ: وَأَهْلُهَا صَالِحُونَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يا عباد الله، لِنَسْلُكْ طَرِيقَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي سَلَكَهُ بَعْدَ الرِّسَالَةِ، ألا وَهُوَ الإِصْلاحُ، عَن طَرِيقِ الأَمْرِ بالمَعْرُوفِ، والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ، وَلَوْ وَجَدْنَا الأَذَى والتَّهَكُّمَ والاتِّهَامَاتِ، وَلْنَذْكُرْ جَمِيعَاً قَوْلَ سَيِّدِنَا لُقْمَانَ لِوَلَدِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ، لا يَقْتَصِرْ أَحَدُنَا على صَلاحِ نَفْسِهِ فَقَط، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى في إِصْلاحِ الآخَرِينَ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُفَرِّجَ عَنَّا، فالصَّلاحُ وَحْدَهُ لَيْسَ كَفِيلاً بالنَّجَاةِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وهذا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» ـ وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً ـ

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟

قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ».

يَا عِبَادَ اللهِ، لَقَد كَثُرَ الخَبَثُ في الأُمَّةِ من سَفْكٍ للِدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، وَأَكْلٍ للأَمْوَالِ بالبَاطِلِ، وَأَكْلٍ للرِّبَا، وَانْتِشَارٍ للفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ، وَانْتِشَارٍ للسُّفُورِ والاخْتِلاطِ، وَشُرْبٍ للخُمُورِ والمُخَدِّرَاتِ، إلى غَيْرِهَا من المُنْكَرَاتِ، وَإِنَّا نَبْرَأُ إلى اللهِ تعالى من هذهِ المُنْكَرَاتِ كُلِّهَا، وَنَقُولُ بَعْدَ ذلكَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هذهِ مُنْكَرَاتٌ لا نَرْضَى بِهَا، ولا نَقْدِرُ على رَدِّهَا، فلا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، وَاحْفَظْنَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ المُصْلِحِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 17/ محرم /1437هـ، الموافق: 30/تشرين الأول / 2015م

 2015-10-30
 1674
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 11 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 11
12-04-2024 627 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 627
09-04-2024 548 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 548
04-04-2024 678 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 678
28-03-2024 567 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 567
21-03-2024 1000 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1000

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412715732
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :