أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

1837 - معنى حديث: (إذا علا ماء الرجل ماء المرأة...)

23-03-2009 218304 مشاهدة
 السؤال :
ما هي صحة الحديث الذي معناه: (فَإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَتْ، وَإِذَا عَلا مَاءُ الْمَرْأَةِ آنَثَتْ)؟ وما المقصود به؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1837
 2009-03-23

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ورد في هذا أحاديث منها:

الأول: عن أنس رضي الله عنه بلفظ: (وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ) رواه البخاري.

الثاني: عن ثوبان رضي الله عنه بلفظ: (مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِذَا عَلا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ) رواه مسلم.

الثالث: عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ إِذَا احْتَلَمَتْ وَأَبْصَرَتْ الْمَاءَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ)، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: تَرِبَتْ يَدَاكِ وَأُلَّتْ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعِيهَا، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلا مِنْ قِبَلِ ذَلِكِ، إِذَا عَلا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ) رواه مسلم.

الرابع: عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: (يَلْتَقِي الْمَاءَانِ، فَإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَتْ، وَإِذَا عَلا مَاءُ الْمَرْأَةِ آنَثَتْ) رواه أحمد.

وقد طرحت هذه الأحاديث مسألتين:

الأولى: التذكير والتأنيث. الثانية: الشبه. وذكرت الأحاديث بشأن هاتين المسألتين الألفاظ التالية: العلو، السبق، النـزع، فأما لفظة (علا) فلها معنيان: المعنى الأول: العلو المادي، أي: نطفة فوق نطفة. والمعنى الثاني: العلو، بمعنى: الغلبة والقهر.

و(السبق) له معنيان: المعنى الأول: الغلبة والقهر. المعنى الثاني: التقدم الزماني أو المكاني.

ومعنى (نزع الولد): أي كان الشبه له.

ومن مجموع هذه الروايات وغيرها، يظهر للناظر: أن المعنى المشترك بين هذه الألفاظ، وهو المقصود: الغلبة والإحاطة، فإذا غلب ماءُ الرجل ماءَ المرأة، وأحاط به، كان الذكر. وعند العكس يحدث العكس. ولا يحتمل أن يكون المقصود سبق الإنزال، أي إذا سبق إنزال الرجل كان ذكراً، وإذا سبق إنزال المرأة كان أنثى، لأن هذا المعنى لا يتوافق مع لفظة (علا) من جهة، ولا يؤيده الواقع المتيقن من جهة ثانية.

ثم وجدت للحافظ كلاماً مشابهاً لما قدمته: من أن المقصود هو الإحاطة، قال: (وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة، بحيث يصير الآخر مغموراً فيه، فبذلك يحصل الشبه).

وقال ابن القيم في كتابه: (تحفة المودود بأحكام المولود ص 221): الأمر الثاني: إنّ سَبْقَ أحدِ المائين سببٌ لشبه السابق ماؤه، وعلو أحدهما سبب لمجانسة الولد للعالي مـاؤه، فها هنا أمران: سبق، وعلو، وقد يتفقان، وقد يفترقان، فإن سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة وعلاه، كان المولود ذكراً، والشبه للرجل، وإن سبق ماءُ المرأة وعلا ماءَ الرجل، كانت أنثى، والشبه للأم، وإن سبق أحدُهما، وعلا الآخر، كان الشبه للسابق ماؤه، والإذكار، والإيناث، لمن علا مـاؤه). انتهى كلامه رحمه الله.

وقال الحافظ: (قال القرطبي: يتعين تأويل حديث ثوبان بأن المراد بالعلو السبق. قلت: والذي يظهر ما قلته، وهو تأويل العلو في حديث عائشة، وأما حديث ثوبان، فيبقى العلو فيه على ظاهره، فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث، والعلو علامة الشبه، فيرتفع الإشكال، وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة، بحيث يصير الآخر مغموراً فيه، فبذلك يحصل الشبه، وينقسم ذلك ستة أقسام: الأول أن يسبق ماء الرجل، ويكون أكثر، فيحصل له الذكورة، والشبه، والثاني عكسه، والثالث أن يسبق ماء الرجل، ويكون ماء المرأة أكثر، فتحصل الذكورة، والشبه للمرأة، والرابع عكسه، والخامس أن يسبق ماء الرجل ويستويان فذكر ولا يختص بشبه، والسادس العكس). انتهى كلامه رحمه الله.

وذكر السبب في هذا من باب الأسباب التي خلق الله، كما هو شأن معظم مخلوقاته سـبحانه، كما لو قيل: إن النبات يكون طيباً إذا سقي بماء طيب ، ويكون غير مستساغ إذا سقي بماء مالح، وإن الثمر لا يكون إلا بشجر، والشجر إن طُعَّم (أي لُقِّح) بلون ثمر أحمر خرج أحمراً، وإن طُعِّم بلون أصفر خرج أصفر، وإن كان الأمر كله بيد الله، وللمسألة تفصيل أكثر ، ليس هاهنا محله. ومهما حاولنا فهم مسألة العلو والسبق، ومجيء المولود ذكراً أو أنثى، فإننا لا نقدر تطبيقها أبـداً.

وحتى أهل الطب المعاصرين لم يستقروا على أمر فيما بينهم في هذا الخصوص، قال الدكتور محمد علي البار في كتابه (خلق الإنسان بين الطب والقرآن ص149): (والخلاصة: أن عوامل الشبه لأحد الوالدين أو للأسلاف، أو بظهور صفات جديدة كما حدث للفزاري الذي جاءته امرأته بولد أسود دون أن يكون أحد والديه أسود، أمر بالغ التعقيد، وتعمل فيه الجينات بصورة خفية ومعقدة، وبعضها يتبع قوانين مندل حسب الصف سائدة، أو منتحية، وبعضها لا يتبعها، وحتى تلك التي تعتبر خاضعة لقوانين الوراثة قد تختلف عن تلك القوانين، ويعتبر الجنين عندئذ كامل التعبير أو ناقص التعبير... ولا يزال العلم الحديث يجهل الكثير الكثير من الحقائق التي تحدد الشبه في الولد، ولا ندري إلى الآن ما هو دور السبق في ماء الرجل أو ماء المرأة في الشبه من الناحية العلمية، وحتى يتسع مدى العلم في هذا الباب فإننا نقبل الحديث الشريف بقلوب مطمئنة واثقة بصدق المصطفى صلوات الله عليه الذي لا ينطق عن الهوى، والذي لا يقول إلا حقاً، وينبغي أن يحفز ذلك العلماء المختصين في هذا الباب لدراسته، فقد تنفتح لهم أبواب وتكشف لهم كشوفات، وهذا معلم من معالم البحث التي ينبغي أن يدرسها العلماء المسلمون المختصون في هذا الفرع من العلم) انتهى المراد منه.

والناس في العموم يرغبون في الذكور، ووالله كم من أنثى كانت خيراً من ألف ألف ذكر؟!.. وكم من أنثى رعت أبويها حين الكبر؟!.. وكم من ذكر على أبويه تكبر؟!.. وكان وبالاً على أبويه، بتصرفاته، وسوء خلقه، وقلة دينه؟!. وكم من أنثى ضحت بزواجها من أجل أمها وأبيها؟! في الوقت الذي نسي الذكور آباءهم!! وانشغلوا بنسائهم وأولادهم ودنياهم!! هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
218304 مشاهدة