أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

7948 - الأخلاق أم الصلاة؟

03-04-2017 1034 مشاهدة
 السؤال :
يقول رجل: إن الأخلاق الحسنة مع ترك الصلاة أفضل من الصلاة مع الأخلاق السيئة، لأن سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». فما رأيكم بذلك؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 7948
 2017-04-03

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: لَقَدْ حَثَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَخْلَاقِ الصَّالِحَةِ، وَرَغَّبَ فِيهَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وفي رِوَايَةٍ للقضاعي: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ».

وروى الحاكم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا».

وروى الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».

وروى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَرَادَ سَفَرَاً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي.

قَالَ: «اعْبُدِ اللهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئَاً».

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي.

قَالَ: «إِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ».

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي.

قَالَ: «اسْتَقِمْ وَلْتُحَسِّنْ خُلُقَكَ».

وروى الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كَرَمُ الرَّجُلِ دِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ، وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ».

وروى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً».

وفي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ المُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانَاً؟

قَالَ: «الَّذِي يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ يَعْبُدُ اللهَ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَبِ، فَقَدْ كَفَى النَّاسَ شَرَّهُ».

وروى الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقَا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟

قَالَ: «المُتَكَبِّرُونَ».

ثانياً: روى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ».

قَالَ: «يَقُولُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئَاً، قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكَ».

وروى الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ».

وروى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».

فَمَنْزِلَةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ مُبَاشَرَةً، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَهَمِّيَّتِهَا، وَلِتَكُونَ دَلِيلَاً عَلَى صِحَّةِ الاعْتِقَادِ وَسَلَامَتِهِ، وَبُرْهَانَاً عَلَى صِدْقِ مَا وَقَرَ في القَلْبِ، وَتَصْدِيقَاً لَهُ.

وَالصَّلَاةُ هِيَ آخِرُ مَا يُفْقَدُ مِنَ الدِّينِ، فَإِنْ ضَاعَتْ ضَاعَ الدِّينُ كُلُّهُ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وبناء على ذلك:

فَلَا بُدَّ للإِنْسَانِ المُسْلِمِ أَنْ يُتَوِّجَ عِبَادَاتِهِ بِالأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ الحَسَنَةِ، حَتَّى لَا يَكُونَ مُنَفِّرَاً مِنْ دِينِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَلَا بُدَّ مِنَ الجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ حَسَّنَ أَخْلَاقَهُ وَضَيَّعَ صَلَاتَهُ، رَبِحَ شَيْئَاً مِنَ الدُّنْيَا وَخَـسِرَ الآخِرَةَ، وَمَنْ حَافَظَ عَلَى صَلَاتِهِ وَسَاءَ خُلُقُهُ، كَانَ بَعِيدَاً عَنْ مَجَالِسِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُ القَائِلِ: الأَخْلَاقُ الحَسَنَةُ مَعَ تَرْكِ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ، كَلِمَةٌ خَطِيرَةٌ جِدَّاً، يَجِبُ أَنْ يَسْتَعِيضَهَا بِقَوْلِهِ: يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ المُسْلِمِ المُحَافَظَةُ عَلَى صَلَاتِهِ وَأَنْ يُتَوِّجَ ذَلِكَ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، حَتَّى لَا يُنَفِّرَ مِنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ العِبَادَةَ مَطْلُوبَةٌ وَحُسْنَ الأَخْلَاقِ كَذَلِكَ مَطْلُوبٌ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
1034 مشاهدة
الملف المرفق