أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5188 - حكم الدعاء على الظالمين

19-05-2012 36017 مشاهدة
 السؤال :
هل يجوز الدعاء على الظالمين عوضاً عن الدعاء لهم بسبب إصرارهم على الظلم؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5188
 2012-05-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}. ويقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}.

وكان من سيرةِ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنَّه كان يدعو لِقومِهِ، من جملةِ ذلك ما جاء في شعب الإيمان للبيهقي عن عبدِ اللهِ بن عبيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: لمَّا كُسِرَت رُباعِيَّةُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَشُجَّ في جَبهَتِهِ، فَجَعَلَتِ الدِّماءُ تَسيلُ على وَجهِهِ قيل: يا رسولَ اللهِ، اُدعُ اللهَ عليهم، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ اللهَ تعالى لم يَبعَثنِي طَعَّاناً ولا لَعَّاناً، ولكن بَعَثَنِي دَاعِيةً وَرَحمَةً، اللَّهُمَّ اهدِ قَومِي فَإِنَّهُم لا يَعلَمُون).

ثانياً: يجوزُ الدُّعاءُ على الظالمين الذين أصرُّوا على ظُلمِهِم، وقد دَعا سيدنا موسى عليه السلامُ على فرعونَ وقومِهِ عندما أصرُّوا على ظُلمِهِم، وَأَمَّنَ على دُعائِهِ سيدنا هارون عليه السلامُ، قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ العَذَابَ الأَلِيم * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون}. وما دَعا عليهم إلا بعدَ يأسِهِ منهم.

ودَعا سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على قريشٍ بِشكلٍ عامٍّ فقال: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ـ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ـ) ثمَّ خَصَّصَ فقال: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ) رواه الإمام البخاري عن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ثالثاً: يجوزُ الدُّعاءُ على الظالمِ ولو كان مُسلماً، روى الإمام مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ، فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ)، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا، قَالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الجُدُرَ، تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا).

وبناء على ذلك:

فالدُّعاءُ على الظالمِ المُصِرِّ على ظُلمِهِ جائزٌ شرعاً، وقد دَعا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لهم وعليهم، لأنَّه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مُشَرِّعٌ.

والأولى في حقِّ المؤمنِ أن يَدعُوَ الله تعالى للظالمِ المسلمِ عِوَضاً عن الدُّعاءِ عليه، أمَّا إذا لم يَصْبِرِ المظلومُ فلا حَرَجَ من الدُّعاءِ على الظالمِ المُصِرِّ على ظُلمِهِ ولو كان مُسلماً، ونسأل الله تعالى أن يجعلَ ذِمَّتنا بريئةً من حُقوقِ العبادِ، ونعوذُ بالله تعالى أن نكونَ من الظالمين. آمين. هذا، والله تعالى أعلم. 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
36017 مشاهدة