576ـ خطبة الجمعة: أحبوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وأحببناه
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَعْظَمُ مِنَّةٍ مَنَّ اللهُ تعالى بِهَا عَلَى العِبَادِ مِنَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولَاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.
فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ وَمَا مِنْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ المُؤْمِنِينَ إِلَّا وَنَالَتْهُ مِنْ هَذِهِ المِنَّةِ أُمُورٌ وَأُمُورٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ تعالى، فَلَوْلَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ وَمِصْرَ نَصَارَى، وَلَوْلَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ أَهْلُ العِرَاقِ مَجُوسَاً، وَلَوْلَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ أَهْلُ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ مُشْرِكِينَ عُبَّادَ أَوْثَانٍ.
لَوْلَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَكُنَّا في ضَلَالٍ وَشَقَاءٍ وَتَعَاسَةٍ وَانْحِرَافٍ، فَبِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَتِ الأُمَّةُ مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى، وَمِنَ الكُفْرِ إلى الإِيمَانِ، وَمِنَ التَّدَابُرِ وَالتَّحَاسُدِ وَالتَّقَاطُعِ إلى الأُلْفَةِ وَالمَوَدَّةِ وَالمَحَبَّةِ، وَلَوْلَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَا عَرَفْنَا الطَّرِيقَ المُوصِلَةَ إلى الجَنَّةِ.
مَا أَدْرَكْنَا الذي أَدْرَكَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:
يَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَدْرَكْنَا المِنَّةَ العَظِيمَةَ التي مَنَّ اللهُ تعالى بِهَا عَلَى العِبَادِ، كَمَا أَدْرَكَهَا أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ شَهِدُوا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَقَّ الشَّهَادَةِ وَأَصْدَقَهَا، وَأَحَبُّوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقَ المَحَبَّةِ.
فَهَذَا سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَعَلَ شِعَارَهُ في حَيَاتِهِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ. رواه الحاكم.
وَأَمَّا نَحْنُ اليَوْمَ يَأْتِينَا مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ نَقِفُ وَنَقُولُ لِمَاذَا؟
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: نُرِيدُ أَنْ نُحَكِّمَ عُقُولَنَا فِيمَا وَصَلَنَا عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ؟ عِنْدَمَا انْطَلَقُوا مِنْ مُنْطَلَقِ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ؛ سَادُوا الدُّنْيَا، وَدَفَعَتْ لَهُمُ الجِزْيَةَ الأَعَاجِمُ.
وَعِنْدَمَا قَالَ النَّاسُ مَا قَالُوا أَصْبَحْنَا في ذَيْلِ الأُمَمِ، وَتَحَكَّمَ فِينَا الـشَّرْقُ وَالغَرْبُ، وَتَفَرَّقَ شَمْلُ الأُمَّةِ، وَأُهِينَتْ مُقَدَّسَاتُهَا، وَصَفَّقَ القَوْمُ لِمَنْ أَهَانُوا مُقَدَّسَاتِهِمْ.
أَحَبُّوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَحْبَبْنَاهُ:
يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ شَهِدَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ، وَشَهِدْنَا لَهُ بِهَا، وَلَكِنْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ.
وَلَقَدْ أَحَبُّوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَحْبَبْنَاهُ، وَلَكِنْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ الحُبَّيْنِ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَـفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعَتْ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ.
فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَيْئَاً حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ شَهِدْنَا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ، كَمَا شَهِدَ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَصَرَّحْنَا بِحُبِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَرَّحُوا، وَلَكِنَّ الفَارِقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، أَنَّهُمْ تَرْجَمُوا شَهَادَتَهُمْ وَحُبَّهُمْ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، وَنَحْنُ اقْتَصَرْنَا عَلَى ذَلِكَ بِأَقْوَالِنَا دُونَ سُلُوكِنَا وَأَفْعَالِنَا، لِذَا كَانُوا رِجَالَاً فَسَادُوا الدُّنْيَا، وَأَمَّا نَحْنُ فَأَشْبَاهُ رِجَالٍ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.
لَقَدْ كَانُوا بِبَرَكَةِ الشَّهَادَةِ وَصِدْقِ المَحَبَّةِ كَالبُنْيَانِ المَرْصُوصِ، وَأَمَّا نَحْنُ كَمَا تَرَوْنَ وَتَشْعُرُونَ، أُمَّةٌ مُمَزَّقَةٌ مُبَعْثَرَةٌ، نَسْفِكُ دِمَاءَ بَعْضِنَا، وَنُخَرِّبُ بُيُوتَنَا بِأَيْدِينَا، وَنُضِيعُ شَبَابَنَا بِاخْتِيَارِنَا.
فَيَا مَنْ صَدَقَ في الشَّهَادَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ، وَصَدَقَ في مَحَبَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَلَيَّ وَعَلَيْكَ بِطَاعَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَ حَتَّى نَسْعَدَ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 20/ ربيع الأول /1439هـ، الموافق: 8/ كانون الأول / 2017م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد
هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد
هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد
شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد
لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد