82-مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم:حبر الأمة والقرآن العظيم

82-مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم:حبر الأمة والقرآن العظيم

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

82ـ حبر الأمة والقرآن العظيم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ العَبْدِ كَلِمَةٌ تُذَكِّرُ الأُمَّةَ بِكَلَامِ اللهِ تعالى، وَإِنَّ أَحَبَّ الكَلَامِ إلى اللهِ تعالى القُرْآنُ الكَرِيمُ، الذي بِهِ خَتَمَ اللهُ تعالى الكُتُبَ السَّمَاويَّةَ وَالرِّسَالَاتِ، وَبِهِ قَطَعَ الحُجَجَ وَالبَيِّنَاتِ، فَهُوَ شَاهِدٌ على وَحْدَانِيَّةِ اللهِ تعالى، وَدَلِيلٌ على عَظَمَةِ اللهِ تعالى، وَأَكْبَرُ دَلِيلٍ على صِدْقِ نُبُوَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

لَقَدْ تَكَفَّلَ اللهُ تعالى بِحِفْظِ القُرْآنِ العَظِيمِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. وَجَعَلَ أَهْلَ القُرْآنِ في العِزَّةِ وَالمَكَانَةِ وَالجَلَالَةِ وَالكَرَامَةِ مَا لَا يَعْلَمُ حَقيقَتَهَا إِلَّا اللهُ تعالى، وَيَكْفِيهِمْ شَرَفَاً قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا لَزِمَ أَحَدٌ كِتَابَ اللهِ تعالى إِلَّا قَادَهُ إلى اللهِ تعالى وَرِضَاهُ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ مُتَعَلِّقَاً بِاللهِ تعالى، فَكَانَ مِنْ أَطْهَرِ القُلُوبِ وَأَنْقَاهَا وَأَصْفَاهَا.

أَهْلُ القُرْآنِ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ، فَهُمْ مَعَ آيَاتِ اللهِ تعالى لَيْلَاً وَنَهَارَاً، هَانَ عَلَيْهِمُ النَّوْمُ وَالكَرَى، تَرَاهُمْ يَقِفُونَ لَيْلَهُمْ يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ، تُحَرِّكُهُمْ آيَاتُ اللهِ تعالى لِيَقِفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى الحَنَّانِ المَنَّانِ الوَاحِدِ الدَّيَّانِ، فَيَشْتَاقُونَ إلى جَنَّةٍ فِيهَا الرَّوْحُ وَالرَّيْحَانُ، يَخَافُونَ أَنْ يُحْرَمُوا هَذَا النَّعِيمَ، وَخَاصَّةً نِعْمَةَ صُحْبَةِ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

وَيَخَافُونَ مِنْ سُوءِ المَآلِ عِنْدَمَا يَقْرَؤُونَ آيَاتٍ فِيهَا ذِكْرُ النِّيرَانِ وَالجَحِيمِ وَسَخَطِ الدَّيَّانِ، هَكَذَا يَكُونُ لَيْلُهُمْ؛ أَمَّا نَهَارُهُمْ فَتَرَاهُمْ وَقَّافِينَ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ تعالى لَا يَتَجَاوَزُونَهَا، بَلْ وَلَا يَقْرَبُوهَا.

إِنْ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَكِتَابُ رَبِّي مَوْجُودٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَاشَ أَصْحَابُ وَآلُ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ صِغَارَاً وَكِبَارَاً، رِجَالَاً وَنِسَاءً، لِأَنَّهُ غَيَّرَ مَنْهَجَ حَيَاتِهِمْ، فَقَدْ نَقَلَهُمْ مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى، وَمِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ، وَمِنَ الظُّلمَةِ إلى النُّورِ، وَجَدُوا لَذَّتَهُ في قُلُوبِهِمْ؛ وَبِبَرَكَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ تَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قٌلُوبِهِمْ على أَلْسِنَتِهِمْ، وَظَهَرَتْ دَلَائِلُ الحَقِّ بِبَرَكَتِهِ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ.

وَلَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِمَامَ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعَاً في ذَلِكَ، فَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا وَقَفَ يَتْلُو كِتَابَ اللهِ تعالى تَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ على لِسَانِهِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَازَ بِدُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ فَازَ هَذَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ الشَّابُّ الفَتَى بِدُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «عَلِّمْهُ الكِتَابَ».

وَظَهَرَتْ إِجَابَةُ دَعْوَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى كَانَ يُسَمَّى البَحْرَ، وَيُسَمَّى الحَبْرَ، فَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَبْرَاً وَبَحْرَاً للأُمَّةِ في عِلْمِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالعَمَلِ بِمَا فِيهِمَا.

وَقَدْ كَانَ يَقُولُ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّكَ لَأَصْبَحُ فِتْيَانِنَا وَجْهَاً، وَأَحْسَنُهُمْ عَقْلَاً، وَأَفْقَهُهُمْ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. البداية والنهاية.

وَكَانَ إِذَا أَقْبَلَ يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ذَاكُمْ فَتَى الْكُهُولِ، إِنَّ لَهُ لِسَانَاً سَؤُولَاً، وَقَلْبَاً عَقُولَاً. رواه الحاكم.

وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ. رواه الحاكم.

وَهَذِهِ العِبَارَةُ قَالَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَدْ مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ مِنَ الهِجْرَةِ، وَعَمَّرَ بَعْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا سِتَّاً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا حَصَّلَهُ مِنَ العُلُومِ في هَذِهِ المُدَّةِ؟

وروى الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: اسْتَخْلَفَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى المَوْسِمِ ـ مَوْسِمِ الحَجِّ ـ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَرَأَ في خُطْبَتِهِ سُورَةَ البَقَرَةِ ـ وَفِي رِوَايَةٍ: سُورَةَ النُّورِ ـ فَفَسَّرَهَا تَفْسِيرَاً لَوْ سَمِعَتْهُ الرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ لَأَسْلَمُوا. كُلُّ هَذَا بِبَرَكَةِ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ لَمَّا رَأَى عَظَمَةَ التَّنْزِيلِ وَمَآلَهُ عِنْدَ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ، أَحَبَّ كِتَابَ اللهِ تعالى وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ، فَلَمَّا قُبِضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّقَ بِكَلَامِ اللهِ تعالى، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِهِ يَقُولُ: إِنْ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَكِتَابُ رَبِّي مَوْجُودٌ، وَإِنْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَكَلَامُ اللهِ تعالى غَيْرُ مَفْقُودٍ، وَتَذَكَّرَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ لَزِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بَابَ سَيِّدِنَا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَسْأَلُهُ عَنِ القُرْآنِ آيَةً آيَةً، لِأَنَّهُ كَانَ كَاتِبَ الوَحْيِ وَرَأْسَ أَهْلِ المَدِينَةِ في القَضَاءِ وَالفِقْهِ وَالقِرَاءَةِ وَالفَرَائِضِ.

كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُعَظِّمُ مَنْ كَانَ يَعْرِفُ كَلَامَ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُعَظِّمُ مَنْ كَانَ يَعْرِفُ كَلَامَ اللهِ تعالى، وَحَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

لَقَدْ كَانَ رَغْمَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ يَنْهَلُ مِنْ مَعِينِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُبِضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَحِقَ بِجِوَارِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَوَجَّهَ إلى كِبَارِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ وَيَتَلَقَّى عَنْهُمْ، وَكَانَ عُمُرُهُ حِينَئِذٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَبِيعَاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُسْمِعْ أَبْنَاءَنَا سِيرَةَ هَذَا الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُلْحِقَنَا بِهِ مَعَ أُصُولِنَا وَفُرُوعِنَا، لَقَدْ كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ عَاشِقَاً لِكِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَبَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَزِمَ بَابَ سَيِّدِنَا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ يُبَكِّرُ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ، وَيَذْهَبُ لِيَنَامَ على عَتَبَةِ بَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ إلى صَلَاةِ الفَجْرِ أَيْقَظَهُ؛ وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَخْرُجُ في شِدَّةِ الهَاجِرَةِ لِكَيْ يَسْأَلَ صَحَابِيَّاً عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَو حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ إِذَا بَلَغَنِي الْحَدِيثُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَيْتُ بَابَ بَيْتِهِ فِي وَقْتِ قَيْلُولَتِهِ، وَتَوَسَّدْتُ رِدَائِي عِنْدَ عَتَبَةِ دَارِهِ، فَتَسْفِي عَليَّ الرِّيحُ مِنَ التُّرَابِ مَا تَسْفِي، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَسْتَأَذِنَ عَلَيْهِ لأَذِنَ لِي.

وَإِنَّمَا كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ لِأُطَيِّبَ نَفْسَهُ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ رَآنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا جَاءَ بِكَ، هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟

فَأَقُولُ: أَنَا أَحَقُّ بِالْـمَجِيءِ إِلَيْكَ، فَالْعِلْمُ يُؤْتَى وَلا يَأْتِي؛ ثُمَّ أَسْأَلُهَ عَنِ الْحَدِيثِ. كَذَا في مَوَارِدِ الظَّمْآنِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَيِّدُنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَمَامَ ذَلِكَ العَالِمِ الجَلِيلِ الذي فَقِهَ القُرْآنَ العَظِيمَ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَبَكَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ كَيْفَ يَقْبِضُ اللهُ العِلْمَ، فَلْيَنْظُرْ، هَكَذَا يَقْبِضُ اللهُ العِلْمَ بِمَوْتِ العُلَمَاءِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ طَيَّبَ الصَّحَابَةُ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَجَالِسَهُمْ بِذِكْرِ اللهِ تعالى، وَبِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَبِطَاعَةِ اللهِ تعالى، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، طَيَّبُوا بِذَلِكَ مَجَالِسَهُمْ، وَعَمَّرُوا بِذَلِكَ أَوْقَاتَهُمْ، فَتَوَجَّهَتْ قُلُوبُهُمْ إلى اللهِ تعالى، بَعْدَ أَنْ تَنَوَّرَتْ بِنُورِ القُرْآنِ الكَرِيم، وَبِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَطْيَبَ المَجَالِسَ إِذَا طُيِّبَتْ بِذِكْرِ اللهِ تعالى، وَتلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَمَا أَطْيَبَهَا إِذَا طُيِّبَتْ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا الذي يَأْخُذُهُ المُؤْمِنُ مِنْ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا غَيْرَ كَلِمَةٍ تَدُلُّهُ على اللهِ تعالى؟

وَاللهِ إِنَّ أَطْيَبَ طِيبٍ لِمَجَالِسِنَا، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، هُوَ ذِكْرُ اللهِ تعالى وَالقُرْآنُ العَظِيمُ، وَإِنَّ خَيْرَ مَا نُعَمِّرُ بِهِ أَوْقَاتَنَا كَلَامُ اللهِ تعالى، هَذَا الكَلَامُ الذي أَنْزَلَهُ اللهُ تعالى هِدَايَةً وَنُورَاً يَقُودُنَا إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى إلى دَارِ السَّلَامِ، هَذَا الكَلَامُ الذي لَا تَنْتَهِي عَجَائِبُهُ، وَلَا تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ، هُوَ الجَدُّ لَا الهَزْلُ، هُوَ القَوْلُ الحَقُّ الفَصْلُ، هُوَ كَلَامُ رَبِّ العَالَمِينَ، هُوَ مَوْعِظَةُ اللهِ تعالى للأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.

كَمْ مِنْ قُلُوبٍ انْقَادَتْ إلى اللهِ تعالى بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟ وَكَمْ مِنْ سَبِيلٍ تَنَوَّرَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟ وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ هُدِيَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟ وَكَمْ مِنْ غَافِلٍ تَيَقَّظَ قَلْبُهُ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟ وَكَمْ مِنْ حَائِرٍ هُدِيَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟

إِنَّ كَلَامَ اللهِ تعالى سَمِعَتْهُ الجِنُّ، فَآمَنَتْ وَأَقَرَّتْ وَصَدَّقَتْ بِهِ، وَقَالُوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنَاً عَجَبَاً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدَاً﴾. أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ أَبْصَارِنَا وَبَصَائِرِنَا، وَأَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَنَا لَا عَلَيْنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 24/ صفر الخير /1438هـ، الموافق: 24/تشرين الثاني / 2016م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1396 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1396
13-02-2020 1958 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1958
23-01-2020 2592 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2592
16-01-2020 990 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 990
09-01-2020 1328 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1328
03-01-2020 1023 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1023

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413202157
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :