24ـ أخلاق وآداب: آداب الدعاء

24ـ أخلاق وآداب: آداب الدعاء

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمِن عظيمِ عطاءِ اللهِ تعالى وفضلِهِ أن جَعَلَ الدعاءَ جزءاً من العبادة التي يَتَقرَّبُ بهِ المُتَقرِّبونَ، فقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}. فسمى ربنا عز وجل الدعاء عبادة.

وهذا ما أكَّده سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بقوله: (إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ، ثُمَّ قَرَأَ: {قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}) رواه الإمام أحمد وأبو داود عن النعمان بن بشير رَضِيَ اللهُ عَنهُما. وبقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ) رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

وما من عبدٍ دعا الله تعالى إلا أعطاهُ ما سألَهُ مُعجَّلاً، أواِدَّخَرَ له خيراً منه ثواباً مؤجَّلاً، أو صَرَفَ عنه من السُّوءِ أعظمَ منه كرماً منه وإحساناً وتَفَضُّلاً، وهذا ما أكَّدَهُ سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بقوله: (مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَمَا سُئِلَ اللهُ شَيْئًا يَعْنِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَافِيَةَ) رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما. بل قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (من لا يَسألُ اللهَ يَغْضَبُ عليه) رواه أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وكان سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنهُ يقول: (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإن أُلهمت الدعاء فإن الإجابة معه).

ويقول ابن عيينة: لأَنَا مِنْ أَنْ أُمْنَعَ الدُّعَاءَ أَخْوَفُ مِنِّي أَنْ أُمْنَعَ الإِجَابَةَ.

فالدعاء نافعٌ بفضلِ اللهِ تعالى في سائِرِ الأحوالِ، وكيفَ لا يكونُ نافعاً واللهُ تعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}؟ كيفَ لا يكونُ نافعاً وهو سنةُ الأنبياءِ والمرسلين، وشعائِرُ الأولياءِ والصالحينَ، وزادُ الفقراءِ إلى اللهِ تعالى؟

آداب الدعاء:

أيُّها الإخوة الكرام: الدعاءُ له آدابٌ، فالسعيدُ من أكرمَهُ اللهُ تعالى بالتَّحَقُقِ بهذِهِ الآدابِ، فمن جملةِ آدابِ الدعاءِ:

أولاً: أن يكون مَطْعَمُ ومَشْرَبُ ومَلْبَسُ ومَسْكَنُ الداعي من حلالٍ لا من حرامٍ، لأنَّه من تَغذَّى بالحرام لا يُستجابُ له.

ثانياً: أن يترصَّد لدعائِهِ الأوقاتَ الشريفةَ.

ثالثاً: أن يغتنمَ الأحوالَ الشَّريفةَ كحالِ الزَّحفِ، وعند نزولِ الغيثِ، وعند إقامةِ الصَّلاةِ، وعند إفطارِ الصَّائِمِ، وحالةِ السُّجودِ، وفي حالِ السَّفَرِ.

رابعاً: أن يدعو مستقبلاً القبلةِ، مع خفضِ الصَّوتِ بين المخافَتَةِ والجَهرِ، وأن لا يَتَكلَّفَ السَّجَعَ في الدُّعاءِ فإنَّ حالَ الدَّاعي ينبغي أن يكونَ حالَ مُتَضَرِّعٍ والتَّكَلُّفُ لا يُناسِبُهُ.

خامساً: الإخلاصُ في الدُّعاءِ والتَّضرُّعُ والخُشوعُ والرَّغبَةُ والرَّهبَةُ، وأن يَجزِمَ الدُّعاءَ ويُوقِنَ بالإِجَابَةِ ويَصدُقَ رجاؤُهُ فيه.

سادساً: أن يُلحَّ في الدُّعاءِ ويكونَ ثلاثاً، كما ينبغي له أن لا يستبطِئَ الإجابة.

سابعاً:  أن يَفتَتِحَ الدُّعاءَ ويَختَتِمَهُ بذكرِ اللهِ تعالى والصَّلاة على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثمّ يبدأَ بالسّؤال.

ثامناً: التَّوبةُ وردُّ المظالمِ والإقبالُ على اللهِ عزَّ وجلَّ بِكُنهِ الهِمَّة، وهو الأدبُ الباطنُ وهو الأصلُ في الإجابةِ، وتحرِّي أكلِ الحلالِ.

وفي الختام أقول: أيُّها الإخوة الكرام: الدعاءُ سلاحُ المؤمنِ فطوبى لمن شَرَحَ اللهُ صدرهُ لشرفِ عبادة الدعاءِ، فادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابةِ من ربٍّ كريمٍ لا يُخيِّبُ سائلهُ.

ورحم الله من قال:

لا تسألـنَّ بني آدم حـــاجةً *** واسأل الذي أبوابه لا تحجبُ

الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يُسأل يغضبُ

أسأل الله تعالى أن يحقن دماء المسلمين، وأن يستر أعراضهم، وأن يؤمِّنَ روعاتِهِم، وأن يولي عليهم خيارهم. نِعمَ المسؤولُ ربُّنا، ونِعمَ المجيبُ إلهنا.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

**    **     **

تاريخ المقال:

يوم الأحد 1 /جمادى الثانية / 1433هـ ، الموافق: 22 / نيسان / 2012م

 

 2012-04-21
 61069
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أخلاق و آداب

08-10-2020 961 مشاهدة
59ـ آداب المريض (4)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 961
08-10-2020 618 مشاهدة
58ـ آداب المريض (3)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 08-10-2020
 
 618
11-03-2020 1046 مشاهدة
57ـ آداب المريض (2)

مِنَ الوَاجِبِ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرُدَّ المَظَالِمَ إلى أَهْلِهَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ، لِأَنَّ حُقُوقَ ... المزيد

 11-03-2020
 
 1046
05-03-2020 1092 مشاهدة
56ـ آداب المريض (1)

ا يُقَدِّرُ نِعْمَةَ اللهِ تعالى إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فَالصِّحَّةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لَا يُقَدِّرُهَا إِلَّا المَرْضَى، فَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ قَدْ غَفَلْنَا عَنْهَا؟ وَكَمْ مِنَ النِّعَمِ قَدْ قَصَّرْنَا بِوَاجِبِ شُكْرِهَا، ... المزيد

 05-03-2020
 
 1092
16-01-2020 1639 مشاهدة
55ـ أبشر أيها المريض

لَقَدْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَبَيَّنَ لَنَا الغَايَةَ مِنْ خَلْقِنَا، فَقَالَ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وَمِنَ العِبَادَةِ الصَّبْرُ عَلَى الابْتِلَاءَاتِ ... المزيد

 16-01-2020
 
 1639
08-01-2020 1465 مشاهدة
54ـ آداب النظر (2)

إِسْلَامُنَا لَا يَرْضَى لَنَا أَنْ نَأْتِيَ الفَوَاحِشَ، بَلْ يَنْهَى عَنْ قُرْبَانِهَا فَضْلَاً عَنْ إِتْيَانِهَا، وَهُوَ يُحَرِّمُ الوَسَائِلَ، وَيَسُدُّ الأَبْوَابَ التي تُؤَدِّي إِلَيْهَا، لِهَذَا جَاءَتْ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، وَنُصُوصٌ ... المزيد

 08-01-2020
 
 1465

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411982518
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :