376ـ خطبة الجمعة: وصية عبادة بن الصامت رَضِيَ اللهُ عنهُ لابنه

376ـ خطبة الجمعة: وصية عبادة بن الصامت رَضِيَ اللهُ عنهُ لابنه

 

 376ـ خطبة الجمعة: وصية عبادة بن الصامت رَضِيَ اللهُ عنهُ لابنه

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله، عِندَ نُزولِ المَصَائِبِ، وفي أيَّامِ الأزَماتِ تَضطَرِبُ القُلوبُ، قُلوبُ العِبادِ، وتَهتَزُّ نُفوسُهُم، وتَزيغُ أبصَارُهُم، ويَتَسَلَّلُ الجَزَعُ إلى قُلوبِهِم، وتَنطَلِقُ بالتَّشَكِّي ألسِنَتُهُم، إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى.

يا عباد الله، يَجِبُ على المُؤمِنِ في أيَّامِ الأزَماتِ والشَّدَائِدِ والمِحَنِ، وفي الظُّروفِ القَاسِيَةِ، أن يُصَبِّرَ نَفسَهُ إذا استَبطَأَ الفَرَجَ مَعَ وُجودِ الدُّعاءِ.

يَجِبُ عَلَيهِ أن يَلتَجِئَ إلى الله تعالى، ويَجأَرَ إلَيهِ بالدُّعاءِ، دُعاءَ العَبدِ المُضطَرِّ.

يَجِبُ عَلَيهِ أن يَنظُرَ إلى الله تعالى نَظرَةَ الرِّضا والتَّسليمِ من مُنطَلَقِ: ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يَشَأ لم يَكُن.

يَجِبُ عَلَيهِ أن يَنظُرَ إلى رَبِّهِ عزَّ وجلَّ أنَّهُ حَكيمٌ عَليمٌ خَبيرٌ قَديرٌ رَحيمٌ.

يَجِبُ عَلَيهِ أن يَعلَمَ بأنَّ كُلَّ شَيءٍ بِقَضاءٍ وقَدَرٍ، وما يَجري في كِتابٍ عِندَ رَبِّنا مُستَطَرٌ.

دَرِّبوا أبناءَكُم على الرِّضا عن الله تعالى:

يا عباد الله، دَرِّبوا أبناءَكُم على الرِّضا عن الله عزَّ وجلَّ في قَضَائِهِ وقَدَرِهِ، وإن كانَ القَضَاءُ مُرَّاً، وأشعِروا أبناءَكُم ونِساءَكُم بأنَّكُم رَاضونَ عن الله عزَّ وجلَّ في قَضَائِهِ وقَدَرِهِ وإن كانَ القَضَاءُ مُرَّاً.

دَرِّبوهُم على أنَّهُ من أركانِ الإيمانِ، الإيمانُ بالقَضَاءِ والقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ من الله تعالى.

دَرِّبوهُم بِحَالِكُم قَبلَ قَالِكُم بأنَّهُ ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يَشَأ لم يَكُن.

دَرِّبوهُم بِحَالِكُم قَبلَ قَالِكُم بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ فَعَّالٌ لما يُريدُ، وأنَّ مَشيئَتَهُ العُليا هيَ النَّافِذَةُ.

يا عباد الله، أبناؤُنا وبَناتُنا سَوفَ نُسألُ عَنهُم يَومَ القِيامَةِ، سَوفَ نُسألُ عَن دِينِهِم وعن عَقيدَتِهِم، هل رَبَّيناهُمُ التَّربِيَةَ الصَّحيحَةَ بِحَالِنا قَبلَ قَالِنا؟

إذا كانَ الآباءُ والأُمَّهاتُ في أيَّامِ الأزَمَاتِ في حَالَةِ ضَجَرٍ مُقلِقٍ واعتِراضٍ واشمِئزازٍ، فَكيفَ سَيَكونُ حَالُ الأبناءِ والبَناتِ؟

وَصِيَّةُ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنهُ لابنِهِ:

يا عباد الله، لقد كانَ سَلَفُنا الصَّالِحُ يُرَبُّونَ أبناءَهُم على الرِّضا عن الله تعالى في قَضَائِهِ وقَدَرِهِ، وأنَّ ما أصَابَهُم لم يَكُن لِيُخطِئَهُم، وما أخطَأَهُم لم يَكُن لِيُصِيبَهُم.

يا عباد الله، لَعَلَّنا ونَحنُ نَعيشُ هذهِ الأزمَةَ القَاسِيَةَ في هذا البَلَدِ الحَبيبِ أن نَنقُلَ لأبنائِنا وبَناتِنا ونِسائِنا وَصِيَّةَ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنهُ لابنِهِ.

روى أبو داود عَنْ أَبِي حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ.

سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ.

قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟

قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».

يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي».

يا عباد الله، هكذا رَبَّى سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أصحَابَهُ؟ وهكذا رَبَّى الأصحَابُ أبناءَهُم، وأرجو اللهَ تعالى أن نَكونَ هكذا حتَّى نَلقَى اللهَ تعالى وهوَ عنَّا رَاضٍ، لأنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هذهِ الأُمَّةِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حتَّى يَأتِيَ أمرُ الله تعالى. كما جاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ.

يا عباد الله، لقد رَبَّى سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَحبَهُ الكِرامَ على أنَّ الأُمورَ يُبدِيها رَبُّنا عزَّ وجلَّ إبداءً، ولا يَبتَديها ابتِداءً، وهكذا رَبَّى الصَّحبُ الكِرامُ أبناءَهُم، وبذلكَ كانوا سُعَداءَ، فالسَّعيدُ من كانَ رَاضِياً عن الله تعالى في قَضَائِهِ وقَدَرِهِ.

السَّعيدُ فينا من تَرَبَّى ورَبَّى أبناءَهُ ونِساءَهُ على الاتِّباعِ والاقتِداءِ بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، السَّعيدُ من عَلِمَ وعَلَّمَ بأنَّ الأُمورَ يُبدِيها رَبُّنا عزَّ وجلَّ إبداءً، ولا يَبتَديها ابتِداءً.

قولوا لِكُلِّ مُصابٍ ومَنكوبٍ:

يا عباد الله، قولوا لِكُلِّ مُصابٍ ومَنكوبٍ، ولِكُلِّ من وَقَعَ في شِدَّةٍ وضِيقٍ وكَربٍ وبَلاءٍ: اِطمَئِنَّ، فَكُلُّ شَيءٍ بِقَضَاءٍ وقَدَرٍ، وما قَضَى اللهُ تعالى وقَدَّرَ كائِنٌ لا مَحالَةَ، ولا أحَدَ يَستَطيعُ رَدَّهُ، كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَت الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» رواه الإمام أحمد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

قولوا لِكُلِّ مُصابٍ ومَنكوبٍ، ولِكُلِّ من وَقَعَ في شِدَّةٍ وضِيقٍ وكَربٍ وبَلاءٍ: اِطمَئِنَّ، فقد سَبَقَكَ أُناسٌ في هذهِ الطَّريقِ من أهلِ الإيمانِ والتَّقوى والصَّلاحِ، فما أُصِبتَ به يا عَبدَ الله لَستَ بالأوَّلِ ولَستَ بالآخِرِ.

لقد مَرِضَ أقوامٌ بَعدَ صِحَّةٍ.

ولقد افتَقَرَ أقوامٌ بَعدَ غِنىً.

ولقد عُذِّبَ أقوامٌ بِغَيرِ حَقٍّ.

ولقد شُرِّدَ أقوامٌ ظُلماً وعُدواناً.

ولقد خافَ أقوامٌ بَعدَ أمنٍ واطمِئنانٍ.

ولكن، بَعدَ الشِّدَّةِ جاءَ الرَّخاءُ، وبَعدَ الضِّيقِ جاءَ الفَرَجُ من الله عزَّ وجلَّ، فمن المُحالِ دَوامُ الحَالِ، ووالله لن تَدومَ هذهِ الشِّدَّةُ، ووالله سَتَنتَهي، طالَ زَمَنُها أم قَصُرَ.

ولكن، لِنَعلَمْ يا عباد الله، بأنَّ هُناكَ من يَزدادُ قُرباً من الله عزَّ وجلَّ في هذهِ الأزمَةِ، حَيثُ كانَ شَاكِراً لله عِندَ الرَّخاءِ، صَابِراً لله تعالى عِندَ البَلاءِ، وكانَ رَاضِياً عن الله تعالى في مُرِّ القَضَاءِ.

وهُناكَ من ازدادَ بُعداً عن الله تعالى، وازدادَ إثماً إلى إثمِهِ، وذَنباً إلى ذَنبِهِ، والعِياذُ بالله تعالى في وَسَطِ هذهِ الأزمَةِ.

لماذا التَّسَخُّطُ يا أيُّها المُؤمِنُ؟

يا عباد الله، لماذا التَّسَخُّطُ والشَّكوى والجَزَعُ والأنينُ؟ لَعَلَّ ما حَصَلَ ويَحصُلُ هوَ خَيرٌ لَكَ، تَفَاءَلْ وأبشِرْ، واعتَمِدْ وتَوَكَّلْ على الله تعالى، هل نَسينا قَولَ الله تعالى: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾؟

هل يَليقُ بنا يا عباد الله ونَحنُ الذينَ اصطَفانا اللهُ تعالى لهذا القُرآنِ العَظيمِ، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾. هل يَليقُ بنا أن نَنسى قَولَهُ تعالى: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾؟

يا عباد الله، اِحفَظوا هذهِ الآيَةَ الكَريمَةَ، وبَلِّغوها لِنِسائِكُم وأبنائِكُم وبَناتِكُم، وذلكَ امتِثالاً لأمرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما. بَلِّغوا هذهِ الآيَةَ: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾.

تَشَبَّهْ بأهلِ الإيمانِ:

يا أيُّها المُؤمِنُ، تَشَبَّهْ بأهلِ الإيمانِ وأهلِ التَّقوى والصَّلاحِ، تَشَبَّهْ بمن رَضِيَ عن الله تعالى في قَضَائِهِ وقَدَرِهِ، تَشَبَّهْ بِذاكَ التَّابِعِيِّ عُروَةَ بنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، الذي قالَ فيهِ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ:

 مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى عُروَةَ بنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

سَيِّدُنا عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ دَعَاهُ الخَليفَةُ الوَليدُ بنُ عَبدِ المَلِكِ لِزِيَارَتِهِ في دِمَشقَ، وهُناكَ أُصيبَ بِمُصِيبَتَينِ.

الأولى: فَقَدَ وَلَدَهُ، وذلكَ عِندَما رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ عِندَما كانَ يَتَفَرَّجُ على الجِيادِ.

والثَّانِيَةُ: بُتِرَتُ سَاقُهُ التي أصَابَتْها الآكِلَةُ.

فماذا صَنَعَ عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ؟

لمَّا صَحَا بَعدَ قَطْعِ رِجلِهِ، دَعَا بِقَدَمِهِ المَبتُورَةِ، فَنَاوَلُوهُ إيَّاها، فَجَعَلَ يُقَلِّبُها بِيَدِهِ، وهوَ يَقولُ: أما والذي حَمَلَني عَلَيكِ في عَتَماتِ اللَّيلِ إلى المَسَاجِدِ، إنَّهُ لَيَعلَمُ أنَّني ما مَشَيتُ بِكِ إلى حَرامٍ قَطُّ.

ولمَّا رَجَعَ إلى أهلِهِ، واجتَمَعَ عَلَيهِ أهلُهُ وأصحابُهُ قالَ: لا يَهُولَنَّكُم ما تَرَونَ، فلقد وَهَبَني الله عزَّ وجلَّ أربَعَةً من البَنينِ ، ثمَّ أخَذَ مِنهُم وَاحِداً وأبقى لي ثَلاثَةً، فَلَهُ الحَمدُ.

وأعطاني أربَعَةً من الأطرافِ، ثمَّ أخَذَ منها وَاحِداً، وأبقى لي ثَلاثَةً، فَلَهُ الحَمدُ.

وايمُ الله، لَئِن أخَذَ اللهُ منِّي قَليلاً فلقد أبقى لي كَثيراً، ولَئِنِ ابتَلاني مَرَّةً، فَلَطالَما عافاني مَرَّاتٍ.

يا عباد الله، سَيِّدُنا عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ ما مَشَى بِرِجلِهِ إلى حَرامٍ، وحَلَّت بهذهِ المُصيبَةُ فما ضَجِرَ، وما تَأَفَّفَ، بل كانَ رَاضِياً شَاكِراً حَامِداً، ونَحنُ قد كَثُرَت ذُنوبُنا، فإذا ما ابتُلينا تَأَفَّفنا، لماذا التَّأَفُّفُ إذا كانَ الابتِلاءُ تَطهيراً لِذُنوبِنا؟ ألم يَقُلْ مَولانا عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾؟ لِنَحمَدِ الله تعالى على السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وأرجو اللهَ تعالى أن يَرزُقَنا هذا المَقامَ ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

 يا عباد الله، لِنَكُنْ من الشَّاكِرينَ عِندَ الرَّخاءِ، ومن الصَّابِرينَ عِندَ البَلاءِ، ومن الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ، عسى أن نَقولَ عِندَ سَكَراتِ المَوتِ: واطَرَباهُ، غَداً نَلقى الأحبَّه، مُحَمَّداً وصَحبَه.

اِصبِروا يا عباد الله، حتَّى تَلقَوا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَ الحَوضِ، لأنَّهُ هوَ الآمِرُ بالصَّبرِ أيَّامَ الشَّدائِدِ والمِحَنِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قَالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ».

وأمَّا ذاكَ الظَّالِمُ من أيِّ جِهَةٍ كانَ، أقولُ لَهُ: يا أيُّها الظَّالِمُ، إنَّكَ مَيِّتٌ وَرَبِّ الكَعبَةِ عاجِلاً أم آجِلاً، تُبْ إلى الله تعالى من ظُلمِكَ، وإلا فَتَذَكَّرْ قَولَهُ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾.

اللَّهُمَّ ثَبِّتْنا بالقَولِ الثَّابِتَ حتَّى نَلقاكَ وأنتَ عنَّا رَاضٍ. آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 4/جمادى الثانية/1435هـ، الموافق: 4/نيسان/ 2014م

 2014-04-04
 31510
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 226 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 226
09-04-2024 480 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 480
04-04-2024 647 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 647
28-03-2024 533 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 533
21-03-2024 942 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 942
14-03-2024 1619 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1619

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412428943
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :