600ـ خطبة الجمعة: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ»

600ـ خطبة الجمعة: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ»

 

600ـ خطبة الجمعة: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ»

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَصُورَةٌ، أَمَّا صُورَتُهُ فَتَكُونُ بِتَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهْوَةِ، مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الصَّادِقِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فَتَكُونُ بِتَرْكِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ، ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ تعالى، وَخَوْفَاً مِنْ سَخَطِهِ وَغَضَبِهِ وَحِسَابِهِ.

تَرْكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَمْرٌ يَسِيرٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَأَمَّا تَرْكُ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ أَمْرٌ صَعْبٌ عَلَى النُّفُوسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ.

«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ»:

يَا عِبَادَ اللهِ: الصِّيَامُ دَوْرَةٌ تَدْرِيبِيَّةٌ للصَّائِمِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تعالى، دَوْرَةٌ تَدْرِيبِيَّةٌ لِصِيَامِ الجَوَارِحِ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَخَاصَّةً جَارِحَةَ اللِّسَانِ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ قَوْلَ وَ شَهَادَةَ الزُّورِ سَبَبٌ لِحِرْمَانِ صَاحِبِهَا نَعِيمَ الجَنَّةِ مَعَ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ سُوءِ الخَاتِمَةِ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَسَبَبٌ لِسَخَطِ جَبَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَسَبَبٌ لِدُخُولِ النَّارِ، لِمَا في ذَلِكَ مِنْ ضَيَاعِ حُقُوقِ النَّاسِ وَظُلْمِهِمْ، وَسَبَبٌ لِطَمْسِ مَعَالِمِ العَدْلِ وَالإِنْصَافِ، وَسَبَبٌ لِعَوْنِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، وَسَبَبٌ لإِعْطَاءِ الحَقِّ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ، وَسَبَبٌ لِتَقْوِيضِ أَرْكَانِ الأَمْنِ، وَسَبَبٌ لِزَعْزَعَةِ الاسْتِقْرَارِ، وَسَبَبٌ لِزَرْعِ الأَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ في القُلُوبِ، وَسَبَبٌ لِفَسَادِ المُجْتَمَعِ وَتَدْمِيرِهِ وَإِفْسَادِهِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: قَوْلُ الزُّورِ وَقَوْلُ الكَذِبِ عَدَلَ الإِشْرَاكَ بِاللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾.

روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَيْمَنَ بْنِ خُرَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَطِيبَاً فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ إِشْرَاكَاً بِاللهِ» ـ ثَلَاثَاً ـ ثُمَّ قَالَ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾.

وروى الشيخان عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ـ ثَلَاثَاً ـ.

قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ـ وَجَلَسَ؛ وَكَانَ مُتَّكِئَاً ـ فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ».

قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا أَيُّهَا الصَّائِمُونَ المُصَلُّونَ، قَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ يُهَدِدَانِ الأُمَّةَ في أَمْوَالِهَا وفي دِمَائِهَا وَفي أَمْنِهَا، شَهَادَةُ الزُّورِ وَقَوْلُ الزُّورِ كَمْ وَكَمْ خَرَّبَا بُيُوتَاً عَامِرَةً، وَأَزْهَقَا أَرْوَاحَاً بَرِيئَةً، وَأَهْدَرَا حُقُوقَاً وَاضِحَةً، وَمَا انَتْشَرَا في أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ إِلَّا سَادَتْ فِيهَا الفَوْضَى وَتَحَكَّمَتْ فِيهَا الأَهْوَاءُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِشَاهِدِ الزُّورِ، وَلِقَائِلِ الزُّورِ: بَادِرْ بِالتَّوْبَةِ للهِ تعالى قَبْلَ أَنْ تَقِفَ بَيْنَ يَدَيْ أَحْكَمِ الحَاكِمِينَ، وَأَعْدَلِ العَادِلِينَ، الذي سَيَقْتَصُّ للشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ، بَادِرْ بِالتَّوْبَةِ للهِ تعالى قَبْلَ أَنْ تُسَاقَ إلى جَهَنَّمَ مَعَ المُجْرِمِينَ، فَوَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَو عَلِمْتَ مَا أَعَدَّ اللهُ تعالى مِنَ الخِزْيِ وَالعَارِ، وَالعَذَابِ الأَلِيمِ في الآخِرَةِ، لَتَمَنَّيْتَ قَطْعَ لِسَانِكَ قَبْلَ قَوْلِ الزُّورِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَعُودُ ثَانِيَةً لِأُذَكِّرَ نَفْسِي وَكُلَّ وَاحِدٍ فِينَا، وَكُلَّ مَنْ يَسْمَعُ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

قَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَزْهَقَا أَرْوَاحَ الأُمَّةِ، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ دَخَلَ القَبْرَ بِسَبَبِ قَوْلِ زُورٍ وَشَهَادَةِ زُورٍ؟

وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ دَخَلَ السِّجْنَ بِسَبَبِ قَوْلِ زُورٍ وَشَهَادَةِ زُورٍ؟

وَكَمْ مِنْ مَالٍ أُتلِفَ بِسَبَبِ قَوْلِ زُورٍ وَشَهَادَةِ زُورٍ؟

وَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ رُمِّلَتْ بِسَبَبِ قَوْلِ زُورٍ وَشَهَادَةِ زُورٍ؟

وَكَمْ مِنْ طِفْلٍ يُتِّمَ بِسَبَبِ قَوْلِ زُورٍ وَشَهَادَةِ زُورٍ؟

وَكَمْ مِنْ شَمْلٍ فُرِّقَ وَمُزِّقَ بِسَبَبِ قَوْلِ زُورٍ وَشَهَادَةِ زُورٍ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: لِيَصُمْ لِسَانُنَا عَنْ قَوْلِ الزُّورِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ قَبْلَ نِهَايَةِ الأَجَلِ، وَإِلَّا فَسَوْفَ يَقُولُ العَبْدُ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنَا مِنَ النَّادِمِينَ المُتَحَسِّرِينَ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 9/ رمضان /1439هـ، الموافق: 25/ أيار / 2018م

 2018-05-25
 4563
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 213 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 213
09-04-2024 480 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 480
04-04-2024 647 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 647
28-03-2024 533 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 533
21-03-2024 939 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 939
14-03-2024 1606 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1606

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412418604
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :