أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

828 - لماذا يخلد الكافر في النار ولا يعذب بعدد سنوات كفره؟

03-03-2008 10356 مشاهدة
 السؤال :
أنا لا أشك في عدل الله عز وجل، وكذلك لا أشك في رحمة الله عز وجل، وأنا على يقين بأن الله تعالى أرحم بالعبد من الأم على ولدها، ولكنَّ إشكالاً وقع في نفسي أريد حلَّه، العبد الكافر الذي عصى الله سنوات عديدة ثم مات، لماذا يخلد في النار؟ أما يكفيه أن يعذَّب بعدد السنوات التي كفر بها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 828
 2008-03-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيجب علينا أن نعلم أولاً: أن الله تعالى فعَّال لما يريد، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، العبيد عبيده، والخلق خلقه، وهو الرحمن الرحيم، وهو يعلم ونحن لا نعلم {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]. هذه العقيدة يجب ترسيخها في النفوس.

ثانياً: هذا الإشكال والرد عليه واضح بقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ * إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [فاطر: 36 ـ 38].

انظر بعد أن ذكر الحق جل جلاله مصير الكافرين بأنهم في نار جهنم، لا يُقضى عليهم فيموتوا، ولا يُخفَّف عنهم من عذابها، قال تعالى:{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الزمر: 7]. وهذا ما صدَّقه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إنَّ الله لا ينظر إلى صُوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم.

فالله تعالى عليم بالنيات والسرائر، وعليم بما في القلوب وما في الأفئدة، فالعليم علم بأن هؤلاء لو عاشوا أبد الآبدين ودهر الداهرين سيبقون على كفرهم وعنادهم، بل لو أدخلهم النار يوم القيامة وأخرجهم منها للدنيا مرة ثانية، وأعاد امتحانهم بنفس الظروف التي يقتضيها ظرف الامتحان لعادوا إلى مثل ما كانوا عليه، من كفرٍ وعناد وجحود وسوء عمل وجرائم، ولو كرَّر الله لهم هذه الإعادة مرات لا حصر لها، كما قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28].

ويكفي لذلك شاهداً حالُ إبليس، الذي أقسم بعزة الله التي لا تُقهر، والذي علم بيوم القيامة ويوم البعث، والذي طلب من ربنا أن يبقيه إلى يوم يبعثون، انظر إلى هذا المخلوق من زمن خلق سيدنا آدم إلى يومنا هذا إلى اليوم الذي أنظره الله إياه، هل تاب؟ هل غيَّر حاله؟ أم ازداد كفراً وعناداً وجحوداً؟

فلذلك عاملهم ربنا بما علم من نيَّاتهم بعد أن أدخلهم الدنيا اختباراً وابتلاءً، وعلم أنهم مصرُّون على ذلك حتى لو أرجعهم من نار جهنم إلى الدنيا، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 27].

والعجيب يا أخي أن العبد يَرِدُ عليه هذا الإشكال، وينسى ولا يسأل لماذا يُكرِم الله العبد الذي أطاع ربه سنوات معدودة بنعيم لا ينفد، فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهو من الخالدين فيه، أما كان يكفيه جزاءً أن يُنعِّمه الله سنوات وتنتهي قصته؟

ولكن الجواب كذلك عن هذا، بأن العليم بالنيات والسرائر، والعليم بما في القلوب علم بأن هذا العبد الطائع لو عاش أبد الآبدين ودهر الداهرين لبقي طائعاً. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
10356 مشاهدة