أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

3658 - ما صحة ومعنى: (لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي)؟

18-01-2011 86829 مشاهدة
 السؤال :
لقد سمعت حديثاً عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم يقول فيه: (لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي). فهل هذا الحديث صحيح، وما معناه؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 3658
 2011-01-18

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالحديث الشريف صحيح رواه الإمام البخاري ومسلم واللفظ لمسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ  صلى الله عليه وسلم قَالَ: (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}. قَالَ: وَيَرْحَمُ الله لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ).

أولاً: قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم: (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ). معناه: أن الشكَّ مستحيل في حقِّ إبراهيم عليه السلام، فإن الشكَّ في إحياء الموتى لو كان يتطرَّق إلى الأنبياء لكنتُ أحقَّ به من إبراهيم عليه السلام، وقد علمتم أني لم أشك، لذلك اعلموا أن إبراهيم عليه السلام لم يشكَّ.

وهذا من أخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم ومن تواضعه، وكذلك هذا خرج مخرج العادة في الخطاب، فإن من أراد المدافعة عن إنسان قال للمتكلم فيه: ما كنتَ قائلاً لفلان أو فاعلاً معه من مكروه فقله لي، وافعله معي، والمقصود من ذلك لا تقل ذلك فيه.

ثانياً: قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم: (وَيَرْحَمُ الله لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ).

فَالْمُرَاد بِالرُّكْنِ الشَّدِيد هُوَ اللهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى، فَإِنَّهُ أَشَدّ الأَرْكَان وَأَقْوَاهَا وَأَمْنَعهَا وَمَعْنَى الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم: أَنَّ لُوطًا صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَافَ عَلَى أَضْيَافه وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَشِيرَة تَمْنَعهُمْ مِنْ الظَّالِمِينَ، ضَاقَ ذَرْعه وَاشْتَدَّ حُزْنه عَلَيْهِمْ، فَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي ذَلِكَ الْحَال: لَوْ أَنَّ لِي بِكَمْ قُوَّة في الدَّفْع بِنَفْسِي أَوْ آوِي  إِلَى عَشِيرَة تَمْنَع لَمَنَعْتُكُم، وَقَصْد لُوط صلى الله عليه وسلم إِظْهَار الْعُذْر عِنْد أَضْيَافه، وَأَنَّهُ لَو اسْتَطَاعَ دَفْع الْمَكْرُوه عَنْهُمْ بِطَرِيقٍ مَا لَفَعَلَهُ، وَأَنَّهُ بَذَلَ وُسْعه فِي إِكْرَامهمْ وَالْمُدَافَعَة عَنْهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِعْرَاضًا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ الاعْتِمَاد عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَطْيِيب قُلُوب الأَضْيَاف. وَيَجوز أَنْ يَكون نَسِيَ الالْتِجَاء إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي حِمَايَتهمْ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْتَجَأَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَأَظْهَرَ لِلأَضْيَافِ التَّأَلُّم وَضِيق الصَّدْر. وَاللهُ أَعْلَم.

ثالثاً: أما قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم: (وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ).

فَهُوَ ثَنَاء عَلَى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلام وَبَيَان لِصَبْرِهِ وَتَأَنِّيه، وَالْمُرَاد بِالدَّاعِي رَسُول الْمَلِك الَّذِي أَخْبَرَ اللهُ سبْحَانه وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: {اِئْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَة اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فَلَمْ يَخْرُج يُوسُف صلى الله عليه وسلم مُبَادِرًا إِلَى الرَّاحَة وَمُفَارَقَة السَّجْن الطَّوِيل، بَلْ تَثَبَّتَ وَتَوَقَّرَ، وَرَاسَلَ الْمَلِك فِي كَشْف أَمْره الَّذِي سُجِنَ بِسَبَبِهِ، وَلِتَظْهَرَ بَرَاءَته عِنْدَ الْمَلِك وَغَيْره، وَيَلْقَاهُ مَعَ اِعْتِقَاده بَرَاءَته مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَلا خَجَل مِنْ يُوسُف وَلا غَيْره، فَبَيَّنَ نَبِيّنَا صلى الله عليه وسلم فَضِيلَة يُوسُف فِي هَذَا، وَقُوَّة نَفْسه فِي الْخَيْر، وَكَمَال صَبْره وَحُسْن نَظَره، وَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَفْسه مَا قَالَهُ تَوَاضُعًا، وَإِيثَارًا لِلإِبْلَاغِ فِي بَيَان كَمَال فَضِيلَة يُوسُف صلى الله عليه وسلم، وَاللهُ أَعْلَم .

كما ذكر الإمام النووي في شرحه صحيح مسلم بتصرُّف قليل.

وبناء على ذلك:

فالحديث صحيح، وهذا مديح لسيدنا يوسف عليه السلام، وبيان لقوة نفسه بالخير، وكمال صبره وحسن نظره، وما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم عن نفسه الشريفة من باب التواضع. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
86829 مشاهدة