أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

2351 - بناء المشافي والمدارس الشرعية والمساجد من أموال الزكاة

15-09-2009 19554 مشاهدة
 السؤال :
هل يجوز بناء المشافي أو تجهيزها أو شراء الأدوات الطبية من أموال الزكاة؟ وهل الحكم واحد كذلك في شأن المدارس الشرعية وبناء المساجد؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 2351
 2009-09-15

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ المَشَافِي، وَلَا تَجْهِيزُهَا، وَلَا شِرَاءُ الأَدَوَاتِ الطِّبِّيَّةِ، وَلَا شِرَاءُ أَرْضٍ لِبِنَاءِ المَشَافِي أَو بِنَاءِ المَسَاجِدِ أَوِ المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ التِي فَرَضَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَى الأَغْنِيَاءِ خَصَّهَا اللهُ تَعَالَى بِأَصْنَافٍ ثَمَانِيَةٍ بِأَدَاةِ حَصْرٍ وَقَصْرٍ وَهِيَ (إِنَّمَا) التِي تُثْبِتُ المَذْكُورَ وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَأُعْلِمُهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهُمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».

فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إِلَى غَيْرِ مَنْ ذُكِرُوا في الآيَةِ الكَرِيمَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للذي جَاءَ يَسْأَلُهُ عَنِ الصَّدَقَةِ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ، حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدُ.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ العِلْمِ، وَمِنْهِمْ أَصْحَابُ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ المَتْبُوعَةِ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ شُرِعَتْ لِسَدِّ حَاجَةِ هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَلِيَتَحَقَّقَ بِذَلِكَ التَّكَافُلُ الاجْتِمَاعِيُّ لَدَى المُسْلِمِينَ، وَيَعِيشَ الجَمِيعُ فِي كَرَامَةٍ وَعِزَّةٍ، وَصَرْفُهَا لِغَيْرِ هَذِهِ المَصَارِفِ كَبِنَاءِ المَشَافِي، وَالأَدَوَاتِ الطِّبِّيَّةِ، وَبِنَاءِ المَسَاجِدِ، وَالمَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ وَغَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ لَا تُحَقِّقُ هَذِهِ الغَايَةَ الشَّرْعِيَّةَ.

وَقَدْ يَحْتَجُّ مَنْ يَرَى جَوَازَ صَرْفِ الزَّكَاةِ فِي المَصَالِحِ العَامَّةِ، بِقَولِهِ تَعَالَى فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾. وَهَذَا الاحْتِجَاجُ لَا يَصِحُّ، لِأُمُورٍ عِدَّةٍ:

أَوَّلًا: أَنَّ سَبِيلَ اللهِ تَعَالَى إِذَا ذُكِرَ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ لَا يُرَادُ بِهِ إِلَّا الجِهَادُ، قَالَ الإِمَامُ مَالِكُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: سُبُلُ اللهِ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنَّي لَا أَعْلَمُ خِلَافَاً فِي أَنَّ المُرَادَ بِسَبِيلِ اللهِ هُنَا: الغَزْوُ.

وَقَالَ القَاضِي عَبْدُ الوَهَّابِ المَالِكِيُّ: إِنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهُ (سَبِيلُ اللهِ) فَالمُرَادُ بِهِ الغَزْوُ وَالجِهَادُ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.

ثَانِيَاً: أَنَّ المَصَارِفَ المَذْكُورَةَ فِي الآيَةِ هِيَ فِي أَمَسِّ الحَاجَةِ إِلَى الزَّكَاةِ، وَخَاصَّةً فِي عَصْرِنَا هَذَا، حَيْثُ نَرَى دَائِرَةَ الفَقْرِ تَتَّسِعُ فِي المُجْتَمَعِ، وَالكَثِيرُ مِنَ الأَغْنِيَاءِ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، فَإِذَا صُرِفَتِ الزَّكَاةُ إِلَى غَيْرِ هَذِهِ الأَصْنَافِ بَقِيَ المُسْتَحِقُّونَ مِنَ المُسْلِمِينَ فِي حَاجَاتِهِمْ، وَبِذَلِكَ تَنْتَفِي عِلَّةُ التَّشْرِيعَ.

ثَالِثَاً: الفَتْوَى بِخِلَافِ هَذَا خُرُوجٌ عَلَى قُوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ، وَمِنْهِمُ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

1ـ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِبِنَاءِ المَشَافِي وَلَا لِتَجْهِيزِهَا، وَلَا لِـشِرَاءِ الأَدَوَاتِ الطِّبِّيَّةِ، وَلَا لِشِرَاءِ أَرْضٍ يُبْنَى عَلَيْهَا مَشْفَىً، أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ مَدَارِسَ شَرْعِيَّةٍ وَغَيْرِ شَرْعِيَّةٍ.

2ـ مَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ لِمِثْلِ هَذِهِ المُؤَسَّسَاتِ الخَيْرِيَّةِ، أَوْ لِبِنَاءِ المَسَاجِدِ أَو المَدَارِسِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ إِخْرَاجَهَا إِلَى أَصْنَافِهَا الَّذِينَ َكَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَةً / 60 /. وَمَنْ دَفَعَهَا سَابِقَاً بِنَاءً عَلَى فَتْوَى بَعْضِ العُلَماءِ نَرْجُو اللهَ تَعَالَى أَنْ تَسْقُطَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الأُولَى فِي حَقِّهِ إِعَادَتُهَا، حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ؛ أَمَّا مَنْ دَفَعَهَا بِدُونِ سُؤَالٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا

3ـ هَذِهِ المُؤَسَّسَاتُ الخَيْرِيَّةُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُزَاحِمَ الأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي خَصَّهَا اللهُ تَعَالَى بِالذِّكْرِ، وَالَّذِينَ هُمْ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إِلَيْهَا، وَيَكْفِي هَذِهِ المُؤَسَّسَاتِ الخَيْرِيَّةِ وَالمَسَاجِدَ وَالمَدَارِسَ الشَّرْعِيَّةَ أَمْوَالُ الصَّدَقَاتِ وَالأَوْقَافِ، وَالخَيْرُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ بَاقٍ إِلَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.

وَالوَاجِبُ عَلَى طُلَّابِ العِلْمِ وَالعُلَماءِ عِوَضَاً مِنْ هَذِهِ الفَتْوَى التِي تُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ، مِنْ جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَوَاتِ إِلَى هَذِهِ المُؤَسَّسَاتِ الخَيْرِيَّةِ، وَمِنْهَا المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ، أَنْ يُوَجِّهُوا الأَغْنِيَاءَ إِلَى الصَّدَقَاتِ، وَأَنَّهَا فِي الأَجْرِ لَا تَقِلُّ عَنِ الفَرْضِ، بَلْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» رواه البخاري.

فَالصَّدَقَاتُ سَبَبٌ عَظِيمُ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ إِذَا أَكْثَرَ مِنَ النَّوَافِلِ، وَالتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الصَّدَقَاتُ، وَأَنَا وَاثِقٌ بِأَنَّ الخَيْرَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ بَاقٍ، وَلَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ نُحَرِّكَ فِيهِمُ الوَازِعَ الإِيمَانِيَّ، وَنَقُولَ لَهُمْ: إِنَّ مَنْ دَفَعَ 2.5% لِلفُقَرَاءِ فَلِيَدْفَعْ مِثْلَهَا لِلجِهَاتِ الخَيْرِيَّةِ الثَّانِيَةِ، وَالتِي مِنْهَا المَسَاجِدُ وَالمَدَارِسُ الشَّرْعِيَّةُ، لَقَدْ أَعْطَاكَ اللهُ تَعَالَى / 100.000 / مِئَةَ أَلْفِ لَيْرَةٍ مَثَلَاً، فَدَفَعْتَ مِنْهَا أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ زَكَاةً، فَمَا الَّذِي يَضُرُّكَ لَو دَفَعْتَ مِثْلَهَا صَدَقَةً جَارِيَةً لِلمَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ وَالمَسَاجِدِ وَالمَشَافِي؟

فَيَكُونُ مَجْمُوعُ مَا دَفَعْتَ لِلهِ تَعَالِي خَمْسَةُ آلَافِ لَيْرَةٍ سُورِيَّةٍ، وَيَبْقَى لَكَ خَمْسٌ وَتِسْعُونَ أَلِفِ لَيْرَةٍ، وَقَدْ وَعَدَكَ اللهُ بِالخَلَفِ بَعْدَ العَطَاءِ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ المِيعَادَ، وَأَنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَاً فَاحْفَظُوهُ».

قَالَ: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ عِزَّاً، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ» رواه الترمذي.

4ـ إِذَا شُيِّدَتِ المَشَافِي مِنَ الصَّدَقَاتِ العَامَّةِ، وَمِنَ الأَمْوَالِ الوَقْفِيَّةِ فِي سَبِيلِ اللهِ غَيْرِ الزَّكَوَاتِ، وَكَانَتْ وَقْفَاً لِفُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي فِيهَا للمَيْسُورِينَ إِلَّا بِأَجْرِ المِثْلِ، وَعَلَى أَنْ يَرُدَّ هَذَا المَالَ لِصَالِحِ الفُقَرَاءِ فِي هَذِهِ المَشَافِي. هذا، والله تعالى أعلم.

5ـ نَرْجُو أَنْ تُعَمَّمَ هَذِهِ الفَتْوَى عَلَى جَمِيعِ المَشَافِي الخَيْرِيَّةِ، وَالمَشَارِيعِ العَامَّةِ، وَمِنْهَا المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالمَسَاجِدِ، الَّذِينَ يَسْتَقْبِلُونَ أَمْوَالَ الزَّكَاةِ فِي مَشَارِيعِهِمْ.

سَائِلِينَ المَوْلَى السَّدَادَ لَنَا وَلِلقَائِمِينَ عَلَى هَذِهِ المَشَارِيعِ الخَيْرِيَّةِ، وَلِسَائِرِ الأُمَّةُ. آمين آمين آمين.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
19554 مشاهدة