أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6198 - {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا}

14-03-2014 11281 مشاهدة
 السؤال :
ورد في القرآن العظيم والسنة المطهرة التحذير من القنوط، كما ورد قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد}. فكيف يتم التوفيق بين ذلك؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6198
 2014-03-14

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَرَبُّنا عزَّ وجلَّ حَذَّرَ من القُنوطِ بِكُلِّ صُوَرِهِ وأشكالِهِ، قال تعالى في حَقِّ من قَنَطَ من رَحمَتِهِ: ﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّون﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُون﴾. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُون﴾.

بل حَرَّضَ رَبُّنا عزَّ وجلَّ على التَّفاؤُلِ الحَسَنِ، فقال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾.

وقالَ تعالى في الحَديثِ القُدسِيِّ الذي رواه الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً».

وقد حَذَّرَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من اليَأسِ والقُنوطِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عن فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ، رَجُلٌ نَازَعَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رِدَاءَهُ، فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاءُ، وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ، وَرَجُلٌ شَكَّ فِي أَمْرِ الله، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبيرِ عن عَبْدِ الله قال: أَكْبَرُ الْكَبَائِرُ: الشِّرْكُ بالله، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ الله، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ الله.

وبناء على ذلك:

فالشَّرعُ الشَّريفُ حَذَّرَ العِبادَ من اليَأسِ والقُنوطِ، لأنَّ هذا لَيسَ من وَصْفِ المُؤمِنِ، وهذا ما أكَّدَهُ رَبُّنا عزَّ وجلَّ بِقَولِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد﴾. فهذهِ الآيَةُ الكَريمَةُ تَأكيدٌ على حُسنِ الظَّنِّ، والتَّحذيرِ من القُنوطِ، فهوَ جَلَّ وعَلا أغاثَ العِبادَ بَعدَ اليَأسِ والقُنوطِ، وهذا الوَصْفُ لا يَليقُ بالمُؤمِنِ.

فالفَرَجُ مَقرونٌ بالضِّيقِ، والرَّخاءُ مَقرونٌ بالشِّدَّةِ، وهذا ما أكَّدَهُ سَيِّدُنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عِندَما جَاءَهُ رَجُلٌ وقال: يا أَميرَ المُؤمِنينَ، قَحَطَ المَطَرُ، وقَلَّ الغَيثُ، وقَنَطَ النَّاسُ.

فقال: مُطِرتُم إن شَاءَ الله.

ثمَّ قَرَأَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد﴾.

فلا تَعَارُضَ بَينَ الآياتِ الكَريمَةِ، وهذا ما أكَّدَهُ سَيِّدُنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ بِقَولِهِ: وكُلُّ ذلكَ مُبَالَغَةً في حُسنِ الظَّنِّ والتَّحذيرِ من القُنوطِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
11281 مشاهدة