أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4671 - حق الولد على والده

18-12-2011 38018 مشاهدة
 السؤال :
ما هي حقوق الولد على والده؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4671
 2011-12-18

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد قرَّر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حقاً للولد على والده، بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا)، وفي رواية: (وَإِنَّ لوَلَدِكَ علَيْكَ حَقًّا) رواه الإمام مسلم عن عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنه.

ومن حقوق الولد على والده قبل ولادته، اختيار الزوجة الصالحة التي ستكون أماً لولده، فقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أما حقوق الولد على والده بعد ولادته فكثيرة منها:

أولاً: تحنيك المولود حين ولادته، لما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ العَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصَّبِيَّ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا، فَوَلَدَتْ غُلامًا، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وَبَعَثَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فَقَالَ: أَمَعَهُ شَيْءٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، تَمَرَاتٌ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ).

وقد اتفق الفقهاء على استحباب تحنيك المولود بتمر، حيث يمضغ المحنِّك التمرة حتى تصبح مائعة بحيث تُبلع، ثم يضعها في فم المولود، فإن لم يتيسَّر تمر فرُطَب، وإلا فشيء حلو، وعسل نحل أولى من غيره، ثم ما لم تمسَّه النار.

ثانياً: تسمية المولود باسم حسن، وأحبُّ الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن، يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) رواه مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ويستحبُّ تسميته باسم أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، جاء في الحديث الشريف (وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ) روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ) رواه الإمام أحمد وأبو داود.

ويستحبُّ أن يسمى في اليوم السابع من ولادته، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى) رواه أبو داود عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، أو يوم الولادة، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ).

ثالثاً: يسنُّ حلق شعره في اليوم السابع، والتصدُّق بوزنه فضة، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: (عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عَن الحَسَنِ بِشَاةٍ، وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً، قَالَ: فَوَزَنَتْهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ).

رابعاً: تستحبُّ العقيقة على الوالد، فيذبح عن الغلام شاتين، وعن الأنثى شاة، للحديث الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قَالَ: (العَقِيقَةُ عَنْ الغُلامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ، وَعَن الجَارِيَةِ شَاةٌ).

خامساً: يستحبُّ ختان المولود في اليوم السابع، جاء في الحديث الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قَالَ: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ، الخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ).

سادساً: بعد هذه الحقوق يأتي حقُّ التربية:

يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}. فيجب على الأب أن يربي أولاده على العقيدة السليمة الصحيحة، ثم العبادات لا سيما الصلاة، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم}. ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (يَا غُلامُ إِنِّي أُعلِّمكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَل اللَّه، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، واعلَمْ: أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجتَمعتْ عَلَى أَنْ ينْفعُوكَ بِشيْءٍ، لَمْ يَنْفعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَد كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بَشَيْءٍ قد كَتَبَهُ اللَّه عليْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُفُ) رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: وقال حسن صحيح. وروى الترمذي وأبو داود عن أبي ثُريَّةَ سَبْرَةَ بنِ مَعْبدٍ الجهَنِيِّ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاةَ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ علَيْهَا ابْنَ عشْرِ سِنِينَ).

وروى الإمام البخاري ومسلم عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ).

سابعاً: من الواجبات على الوالد نحو ولده النفقةُ، روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يَقُولُ: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ).

وأن يعدل بين أولاده في العطية، لما روى الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قَالَ: (سَوُّوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ فِي العَطِيَّةِ). ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:  (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ) رواه البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.

فلا يجوز تفضيل الذكور على الإناث، ولا الإناث على الذكور، لأنَّ التفضيل يسبِّب مفاسدَ كبيرةً، أعظمها عقوق الوالدين، وكراهية الأبناء لبعضهم البعض، وتقطيع الأرحام، وزرع نار العداوة والبغضاء بينهم. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
38018 مشاهدة