76ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الفطر 1437هـ

76ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الفطر 1437هـ

.

76ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الفطر 1437هـ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ شَرَعَ اللهُ تعالى لِعِبَادِهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ التي قَالَ فِيهَا: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾. وَمِمَّا شَرَعَ اللهُ تعالى صِلَةَ الأَرْحَامِ، فَمَنْ وَصَلَهَا، وَأَدَّى حَقَّهَا كَمَا أَمَرَ الله تعالى وَصَلَهُ اللهُ تعالى وَرَضِيَ عَنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَاً في زِيَادَةِ عُمُرِهِ، وَبَرَكَةِ رِزْقِهِ، وَمَنْ قَطَعَهَا وَأَهْمَلَ حَقَّهَا قَطَعَهُ اللهُ تعالى، وَقَطَعَ نَسْلَهُ وَرِزْقَهُ، بِحَيْثُ تُرْفَعُ البَرَكَةُ مِنْهُ.

الكُفْرُ وَالعِصْيَانُ لَا يَمْنَعَانِ مِنْ صِلَةِ الأَرْحَامِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَا بُدَّ مِنْ صِلَةِ الأَرْحَامِ، وَلَو كَانَ ذُو الرَّحِمِ كَافِرَاً فَاجِرَاً، روى الشيخان عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟

قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ».

وَقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفَاً﴾.

إِذَا كَانَ اللهُ تعالى أَمَرَنَا بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإنْ كَانَ ذُو الرَّحِمِ كَافِرَاً فَاجِرَاً ، بَلْ وَلَوْ دَعَا إلى الكُفْرِ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَولَى صِلَةُ الرَّحِمِ وَإنْ كَانَ ذُو الرَّحِمِ عَاصِيَاً للهِ تعالى، فَالفُجُورُ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، بَلْ يَجِبُ على المُسْلِمِ أَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ وَلَو كَانَ ذُو الرَّحِمِ فَاجِرَاً، وَأَنْ يَنْصَحَ لَهُ، وَأَنْ يُرْشِدَهُ إلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ حَقِّ المُضَيِّعِ المُبْتَلَى في دِينِهِ النُّصْحُ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يَرُدَّهُ إلى رُشْدِهِ، روى الإمام مالك في المُوَطَّأ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ، وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ، وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ، وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ، فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلَىً وَمُعَافَىً، فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ، وَاحْمَدُوا اللهَ عَلَى الْعَافِيَةِ.

إِنَّ أَعْظَمَ البَلَاءِ هُوَ البَلَاءُ في الدِّينِ، فَالإِنْسَانُ المُفَرِّطُ الغَارِقُ في المَعْصِيَةِ مُبْتَلَىً بَلَاءً عَظِيمَاً، وَشَرُّ البَليَّةِ البَلَاءُ في الدِّينِ، وَرَحْمَتُهُ إِنَّمَا هِيَ بِنَصَيحَتِهِ وَالاقْتِرَابِ مِنْهُ، لَعَلَّ المُقْتَرِبَ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيَاطِينِ الإنْسِ وَالجِنِّ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الابْتِعَادُ عَنِ الرَّحِمِ الفَاجِرِ لَا يَزِيدُهُ إلا تَمَادِيَاً في أَمْرِهِ، وَلَا يَزيدُ الشَّيْطَانَ إلا عَوْنَاً عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ عَنْ أَنْ يُعِينُوا الشَّيْطَانَ على أَخِيهِمْ، روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَكُونُوا عَوْنَاً لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ».

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ كَانُوا مُقَصِّرِينَ مُفَرِّطِينَ في جَنْبِ اللهِ تعالى، وَقَدِّمُوا لَهُمُ النُّصْحَ، لِأَنَّهُمْ مَرْضَى، وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالرَّحْمَةِ المَرْضَى.

ظَاهِرَةُ قَطْعِ ذَوِي الأَرْحَامِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: حَالُنَا اليَوْمَ يُرْثَى لَهُ؛ لَقَدْ وَصَلَ الحَالُ بِبَعْضِ النَّاسِ أَنْ يَمْتَلِئَ قَلْبُهُ غَيْظَاً وَحِقْدَاً وَحَسَدَاً على أَقَارِبِهِ وَأَرْحَامِهِ فَيُقَاطِعُهُمْ، بَلْ وَيُعَادِيْهِمْ وَيُخَاصِمُهُمْ، وَيَتَمَنَّى لَهُمُ المَوْتَ مِنْ أَجْلِ أَمْرٍ تَافِهٍ حَقِيرٍ يَتَعَلَّقُ بِحُطَامِ الدُّنْيَا، أَو بِسَبَبِ وِشَايَةٍ مِنْ فَاسِقٍ فَاجِرٍ، أَو بِسَبَبِ زَلَّةِ لِسَانٍ، أَو بِسَبَبِ شِجَارٍ بَيْنَ الأَطْفَالِ، فَتَمُرُّ الأَشْهُرُ وَالسَّنَوَاتُ وَقَلْبُهُ يَغْلِي عَلَيْهِمْ،وَنَفْسُهُ تَمُوجُ غِلَّاً ضِدَّهُمْ كَمَا يَمُوجُ البُرْكَانُ، وَالله تعالى يَقُولُ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾؟

وَيَقُولُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.

الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ على جَانِبَيِ الصِّرَاطِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الأَمَانَةَ وَالرَّحِمَ تُرْسَلَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ على جَانِبَيِ الصِّرَاطِ للمُطَالَبَةِ بِحَقِّهِمَا؟

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينَاً وَشِمَالَاً». يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إِرْسَالُ الأَمَانَةِ وَالرَّحِمِ لِعِظَمِ أَمْرِهِمَا وَكَبِيرِ مَوْقِعِهِمَا، فَتُصَوَّرَانِ مُشَخَّصَتَيْنِ على الصِّفَةِ التي يُرِيدُهَا اللهُ تعالى، وَتَقُومَانِ لِتَطْلُبَا كُلَّ مَنْ يُرِيدُ الجَوَازَ بِحَقِّهِمَا.

الأَمَانَةُ حِمْلٌ ثَقِيلٌ ضَخْمٌ أَشْفَقَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ مِنْ حَمْلِهِ ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومَاً جَهُولَاً﴾.

أَمَّا الرَّحِمُ، فَلْنَسْمَعْ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ المُرْعِبَ المُفْزِعَ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ؟

قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟

قَالَتْ: بَلَى.

قَالَ: فَذَاكِ لَكِ».

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾؟».

قَاطِعُ الرَّحِمِ مَلْعُونٌ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ﴾. مَنْ يَرْضَى ذَلِكَ؟

لَا عُذْرَ في قَطِيعَةِ الرَّحِمِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَا عُذْرَ في قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، لِأَنَّ قَاطِعَ الرَّحِمِ مَلْعُونٌ، وَلَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» رواه الشيخان عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

فرَحِمَ اللهُ عَبْدَاً يَصِلُ رَحِمَهُ وَإِنْ هُمْ قَطَعُوهُ، وَيَتَخَوَّلُهُمْ بِالهَدِيَّةِ وَإِنْ هُمْ جَفَوْهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمـُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَجُلَاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ.

فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْـمَلَّ(الرَّمَادُ الحارُّ)، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَنيئَاً كَذَلِكَ لِمَنْ أَعَانَ قَرِيبَاً لَهُ على صِلَتِهِ، وَذَلِكَ بِقَبُولِ العُذْرِ وَالصَّفْحِ وَالعَفْوِ وَالتَّغَاضِي عَنِ الهَفَوَاتِ، وَالتَّغَافُلِ عَنِ الزَّلَّاتِ، إِنْ أَحْسَنَ فَلَا يَمُنُّ، وَإِنْ أَعْطَى فَلَا يَظُنُّ، هَنِيئَاً لِمَنْ كَانَ سَمْحَاً في تَعَامُلِهِ مَعَ الآخَرِينَ، وإلا فَمَنْ لَمْ يَقْبَلِ العُذْرَ، وَلَمْ يَغْفِرِ الزَّلَّةَ، قَدْ يُحْرَمُ مِنْ شَفَاعَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصِّلَاً (مُعْتَذِرَاً) فَلْيَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ مُحِقَّاً كَانَ أَوْ مُبْطِلَاً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الْحَوْضَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا على حَذَرٍ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَوْ أَسَاءَتْ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُعَمِّرُ بِالْقَوْمِ الدِّيَارَ، وَيُثْمِرُ لهم الْأَمْوَالَ، وَمَا نَظَرَ إِلَيْهِمْ مُنْذُ خَلَقَهُمْ بُغْضَاً لَهُمْ».

قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «بِصِلَتِهِمْ أَرْحَامَهُمْ».

وَهَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُوصِي مَيْمُونَ بْنَ مَهْرَانَ فَيَقُولُ لَهُ: إِنِّي أُوصِيكَ بِثَلَاثٍ فَاحْفَظْهُنَّ.

قَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا هُنَّ؟

قَالَ: لَا تَخْلُ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ، وَإِنْ قَرَأْتَ عَلَيْهَا القُرْآنَ.

وَلَا تُصَافِ قَاطِعَ رَحِمٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَعَنَهُ في آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَبَارْكَ وَتَعَالَى آيَةٍ فِي الرَّعْدِ، قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾. وَفِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اللهُ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ صِلَةَ الأَرْحَامِ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ، وَصِلَةِ اللهِ تعالى للعَبْدِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرَّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْـمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلنَا مِنْ أَهْلِهَا. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1/ شوال /1437هـ، الموافق: 6/ تموز/ 2016م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمات في مناسبات

09-04-2024 89 مشاهدة
142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ، حَيْثُ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، ... المزيد

 09-04-2024
 
 89
28-09-2023 678 مشاهدة
141ـ كلمات في مناسبات: عذرًا يا سيدي يا رسول الله

لقد كُنتَ حَرِيصَاً عَلَينَا أَشَدَّ الحِرْصِ، بِشَهَادَةِ مَولانَا عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وبِشَهَادَتِكُم عِندَمَا ... المزيد

 28-09-2023
 
 678
07-03-2023 679 مشاهدة
140ـ كلمات في مناسبات: إجابة الدعاء معلقة بالاستجابة لله تعالى

عِنْدَمَا تَنْزِلُ المِحَنُ، وَتَشْتَدُّ الخُطُوبُ، وَتَتَوَالَى الكُرُوبُ، وَتَعْظُمُ الرَّزَايَا، وَتَتَابَعُ الشَّدَائِدُ، لَنْ يَكُونَ أَمَامَ المُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلى اللهِ تعالى وَيَلُوذَ بِجَانِبِهِ، وَيَضْرَعَ إِلَيْهِ ... المزيد

 07-03-2023
 
 679
28-09-2022 640 مشاهدة
1- المحبة محبتان

مَعَ بِدَايَةِ شَهْر رَبِيعٍ الأَوَّلِ، أُهَنِّئُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنْ جَعَلَنَا اللهُ تعالى حَظَّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، ... المزيد

 28-09-2022
 
 640
09-07-2022 536 مشاهدة
138ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1443 هـ شعيرة الأضحية

هَذَا اليَوْمُ هُوَ خِتَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-07-2022
 
 536
08-07-2022 470 مشاهدة
137ـ كلمات في مناسبات: يوم عرفة يوم الغفران

يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمٌ أَكْمَلَ اللهُ تعالى فِيهِ الدِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الغُفْرَانِ، وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، ... المزيد

 08-07-2022
 
 470

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412429469
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :