130ـ كلمة شهر ذي الحجة 1438: حقيقة الأخوة في الله تعالى

130ـ كلمة شهر ذي الحجة 1438: حقيقة الأخوة في الله تعالى

 

130ـ كلمة شهر ذي الحجة 1438: حقيقة الأخوة في الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأُخُوَّةُ في اللهِ تعالى وَاجِبَةٌ لِكُلِّ مَنِ انْتَسَبَ إلى هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَكَانَ صَادِقَاً في هَذَا الانْتِسَابِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.

الرَّوَابِطُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ رَوَابِطُ قَوِيَّةٌ، لِأَنَّ رَبَّهُمْ وَاحِدٌ، وَنَبيَّهُمْ وَاحِدٌ، وَكِتَابَهُمْ وَاحِدٌ، يُصَلُّونَ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَصُومُونَ شَهْرَاً وَاحِدَاً، وَقَدْ شَبَّهَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رواه الإمام مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

تَشْبِيهٌ رَائِعٌ، حَيْثُ جَعَلَ المُؤْمِنِينَ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، وَالجَسَدُ الوَاحِدُ خَلَايَاهُ كُلُّهَا مُتَرَابِطَةٌ مُتَمَاسِكَةٌ فِيمَا بَيْنَهَا مِنْ قِمَّةِ رَأْسِ الإِنْسَانِ إلى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ، فَإِذَا شِيكَ الإِنْسَانُ بِشَوْكَةٍ في قَدَمِهِ شَعَرَ بِهَا رَأْسُهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُونَ تَجْمَعُهُمْ أُخُوَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ إِذَا الْتَزَمُوا دِينَ اللهِ تعالى، أَمَّا إِذَا ادَّعَوُا الإِيمَانَ، ثُمَّ أَكَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، وَجَرَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، وَسَفَكَ بَعْضُهُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ، فَأَيُّ ادِّعَاءٍ هَذَا؟

«الدِّينُ النَّصِيحَةُ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ خِلَالِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ».

قُلْنَا: لِمَنْ؟

قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَقُولُ: يَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُ لَيْسَ بِمُغْتَابٍ، وَلَيْسَ بِنَمَّامٍ، وَلَيْسَ بِآكِلٍ للحَرَامِ، وَلَيْسَ بِالطَعَّانِ وَلَا الفَحَّاشِ، وَلَيْسَ بِسَافِكٍ للدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، وَلَيْسَ بِقَاطِعٍ للأَرْحَامِ، وَلَيْسَ بِفَتَّان.

الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ هُوَ مَنْ يَذْكُرُ الآخَرِينَ بِخَيْرٍ، هُوَ الصَّالِحُ المُصْلِحُ، هُوَ البَعِيدُ عَنِ الشُّبُهَاتِ فَضلَاً عَنِ الحَرَامِ، هُوَ الذي يَقُولُ للنَّاسِ حُسْنَاً، هُوَ الآمِرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ المُنْكَرِ، مَعَ السَّتْرِ وَالذَّبِّ عَنِ إِخَوَانِهِ المُؤْمِنِينَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الأُخُوَّةَ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ في هَذِهِ الأَيَّامِ تُذْبَحُ ذَبْحَ النِّعَاجِ، وَتُهْدَرُ دِمَاؤُهَا بِدُونِ شَفَقَةٍ وَلَا رَحْمَةٍ، وَرُبَّمَا أَنْ يُلَاقِيَ المُسْلِمُونَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ مِمَّا يُلَاقِيهِ الكُفَّارُ مِنَ المُسْلِمِينَ، أَو أَشَدَّ مِمَّا يُلَاقِيهِ المُسْلِمُونَ مِنَ الكُفَّارِ.

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا، وَأَنْ نُحْسِنَ التَّعَامُلَ فِيمَا بَيْنَنَا، وَأَنْ نُعْطِيَ الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عَنْ إِسْلَامِنَا، لِأَنَّ أَعْدَاءَ الأُمَّةِ اليَوْمَ لَا يَنْظُرُونَ إلى القُرْآنِ الكَرِيمِ أَنَّهُ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى، وَلَا يَنْظُرُونَ في حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَتِهِ، بَلْ يَنْظُرُونَ إلى المُسْلِمِينَ ثُمَّ يَقُولُونَ زُورَاً وَبُهْتَانَاً وَكَذِبَاً هَذَا هُوَ الإِسْلَامُ.

فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ إِعْطَاءِ الصُّورَةِ القَبِيحَةِ عَنْ دِينِنَا، وَلْيَذْكُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى ثَغْرَةٍ مِنْ ثُغَرِ الْإِسْلَامِ، اللهَ اللهَ لَا يُؤْتَى الْإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِكَ» رواه المروزي عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْثَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

حَقِيقَةُ الأُخُوَّةِ في اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأُخُوَّةُ في اللهِ تعالى اليَوْمَ صَارَتْ نَادِرَةً في زَمَانِنَا هَذَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ تَحْذِيرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارَاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»؟ رواه الشيخان عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ؟ أَمْ أَنَّهُ يُخَطِّطُ لِدَمَارِهِ وَهَلَاكِهِ وَإِتْلَافِهِ؟

لَقَدْ صَارَتِ الأُخُوَّةُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ جَوْفَاءَ فَارِغَةً، نَتَشَدَّقُ بِهَا تَشَدُّقَاً، وَلَو وُضِعْنَا عَلَى المِحَكِّ الحَقِيقِيِّ لَوَجَدْنَاهَا أُخُوَّةً جَوْفَاءَ لَا أَثَرَ لَهَا، في الوَاقِعِ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ وَأَثَرَةٌ، عِوَضَاً مِنَ الإِيثَارِ الذي تَحَلَّى بِهِ أَسْلَافُنَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأُخُوَّةُ في اللهِ تعالى وَشِيجَةٌ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَصِلَةٌ بَيْنَ عِبَادِ اللهِ تعالى المُتَّقِينَ، تَجْمَعُ القُلُوبَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَتُؤَلِّفُ بَيْنَ الأَفْئِدَةِ في سَبِيلِ مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ، فَمَا آمَنَ عَبْدٌ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَحَبَّ أَحْبَابَ اللهِ تعالى، وَاتَّجَهَ قَلْبُهُ لِمَحَبَّةِ إِخْوَانِهِ في اللهِ تعالى.

وَلِذَلِكَ بَيَّنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةَ هَذِهِ الأُخُوَّةِ الصَّادِقَةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِصِدْقِ الأُخُوَّةِ في اللهِ تعالى. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1/ ذو الحجة /1438هـ، الموافق: 23/آب/ 2017م

 2017-08-27
 2688
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

13-03-2024 135 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 135
09-02-2024 444 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 444
13-01-2024 279 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 279
14-12-2023 386 مشاهدة
208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟ يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ. يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، ... المزيد

 14-12-2023
 
 386
16-11-2023 500 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 500
16-09-2023 527 مشاهدة
205ـ كيف لا نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم!

مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ ... المزيد

 16-09-2023
 
 527

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411964485
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :