أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8726 - أجر الذاكر الغافل

07-03-2018 2743 مشاهدة
 السؤال :
كل ذكر من الأذكار له أجر عند الله تعالى، من تلاوة القرآن الكريم، ومن الصلاة والسلام على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والاستغفار، وغير ذلك، فهل يكتب أجر الذكر للذاكر ولو كان غافلاً أثناء ذكره؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8726
 2018-03-07

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمِنْ آدَابِ ذِكْرِ اللهِ تعالى أَن يَذْكُرَ العَبْدُ رَبَّهُ وَهُوَ خَاشِعٌ مُتَذَلِّلٌ وَفِي حَالَةِ وَقَارٍ للمَذْكُورِ، قَالَ تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعَاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾.

يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أَيْ اذْكُرِ اللهَ في نَفْسِكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً وَبِالقَوْلِ.

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: أَيْ: يَذْكُرُهُ بِالقَوْلِ الخَفِيِّ الذي يُشْعِرُ بِالتَّذَلُّلِ وَالخُضُوعِ، كَمَا يُنَاجِي المُلُوكَ. اهـ.

وَقَالَ العُلَمَاءُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الذَّاكِرُ مُتَدَبِّرَاً مُتَعَقِّلَاً لِمَا يَذْكُرُ بِهِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَذِكْرِ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، وَإِنْ جَهِلَ شَيْئَاً مِمَّا يَذْكُرُ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَبَيَّنَهُ وَلَا يَحْرِصَ عَلَى تَحْصِيل الْكَثْرَةِ بِالْعَجَلَةِ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَدَاءِ الذِّكْرِ مَعَ الْغَفْلَةِ وَهُوَ خِلاَفُ المَطْلُوبِ، وَقَلِيلُ الذِّكْرِ مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ خَيْرٌ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْهُ مَعَ الْجَهْلِ وَالْفُتُورِ.

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: التَّدَبُّرُ لِلذِّكْرِ أَكْمَلُ، لِأَنَّ الذَّاكِرَ يَكُونُ فِي حُكْمِ المُخَاطِبِ وَالمُنَاجِي.

ثُمَّ قَالَ: وَيَكُونُ أَجْرُهُ أَتَمَّ وَأَوْفَى، وَلَا يُنَافِي ثُبُوتَ مَا وَرَدَ الوَعْدُ بِهِ مِنَ الأَذْكَارِ لِمَنْ جَاءَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَقْيِيدُ مَا وَعَدَ بِهِ مِنْ ثَوَابِهَا بِالتَّدَبُّرِ وَالْفَهْمِ.

وبناء على ذلك:

فَكُلُّ ذِكْرٍ للهِ تعالى وَرَدَ فِيهِ وَعْدٌ مِنَ اللهِ تعالى لِمَنْ جَاءَ بِهِ يَنَالُهُ الذَّاكِرُ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى، وَلَو كَانَ العَبْدُ في حَالَةِ غَفْلَةٍ أَثْنَاءَ ذِكْرِهِ، وَلَكِنِ الأَوْلَى وَالأَكْمَلُ وَالأَنْفَعُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ للهِ تعالى مَعَ حُضُورِ القَلْبِ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُتْرَكُ الذِّكْرُ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ وَلَو كَانَ الذَّاكِرُ فِيهِ غَافِلَاً.

يَقُولُ ابْنُ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَا تَتْرُكِ الذِّكْرَ لِعَدَمِ حُضُورِكَ مَعَ اللهِ فِيهِ، لِأَنَّ غَفْلَتَكَ عَنْ وُجُودِ ذِكْرِهِ أَشَدُّ مِنْ غَفْلَتِكَ في وُجُودِ ذِكْرِهِ، فَعَسَى أَنْ يَرْفَعَكَ مِنْ ذِكْرٍ مَعَ وُجُودِ غَفْلَةٍ إلى ذِكْرٍ مَعَ وُجُودِ يَقَظَةٍ، وَمِنْ ذِكْرِ مَعَ وُجُودِ يَقَظَةٍ إلى ذِكْرٍ مَعَ وُجُودِ حُضُورٍ، وَمِنْ ذِكْرٍ مَعَ وُجُودِ حُضُورٍ إلى ذِكْرٍ مَعَ غَيْبَةٍ عَمَّا سِوَى المَذْكُورِ ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

لَا تَـتْـرُكِ الذِّكْرَ إِذَا لَمْ تَحْضُرْ   ***   فِـيـهِ مَـعَ المَـوْلَى الجَـلِيلِ الأَكْبَرِ

فَغَافِلَةٌ مِنْكَ عَنِ الذِّكْرِ أَشَدُّ   ***   مِنْ غَفْلَةٍ في الذِّكْرِ يَا أَخَا الرَّشَدِ

لَكِنْ أَكْمَلُ الذِّكْرِ وَأَنْفَعُهُ هُوَ مَا كَانَ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَأَنْ يَغِيبَ الذَّاكِرُ عَنِ الذِّكْرُ بِالمَذْكُورِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى لِسَانَاً ذَاكِرَاً، وَقَلْبَاً شَاكِرَاً. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2743 مشاهدة