أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

9404 - إلقاء سيدنا موسى الألواح

22-01-2019 8373 مشاهدة
 السؤال :
قَالَ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. كيف يلقي سيدنا موسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الألواح، وفيها كلام الله تعالى؟ ا
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9404
 2019-01-22

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾. يَعْنِي جَعَلَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُوسَى مَحْبُوبَاً عِنْدَهُ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوبَاً عِنْدَ اللهِ كَانَ كَرِيمَاً عَلَى النَّاسِ، وَمَحْبُوبَاً عِنْدَهُمْ، وَيَفْتَحُ اللهُ لَهُ القُلُوبَ المُغْلَقَةَ، فَقَدْ فَتَحَ اللهُ تعالى لَهُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَقَلْبَ زَوْجَتِهِ ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدَاً﴾. فَكَلِمَةُ ﴿وَأَلْقَيْتُ﴾ تَعْنِي: جَعَلْتُ.

ثانياً: لَمَّا رَجَعَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَوَجَدَ قَوْمَهُ قَدِ اتَّخَذُوا العِجْلَ، غَضِبَ غَضَبَاً شَدِيدَاً، وَحَزِنَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الحُزْنِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفَاً﴾.

الأَسَفُ: هُوَ المُبَالَغَةُ في الحُزْنِ وَالغَضَبِ، أَمَّا كَلِمَةُ آسَفَهُ فَتَعْنِي أَغْضَبَهُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾. يَعْنِي: فَلَمَّا أَغْضَبُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ.

فَسَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا رَأَى مِنْ قَوْمِهِ مَا رَأَى غَضِبَ أَشَدَّ الغَضَبِ مَعَ أَشَدِّ الحُزْنِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: ﴿بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾؟

وَقَالَ لَهُمْ: ﴿يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدَاً حَسَنَاً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾.

ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الخِطَابِ لِقَوْمِهِ أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَخَاهُ سَيِّدَنَا هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَوَضَعَ الأَلْوَاحَ التي تَلَقَّاهَا مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ جَانِبَاً لِسُؤَالِ أَخِيهِ وَلِلَوْمِهِ لَوْمَاً شَدِيدَاً، ظَنَّاً مِنْهُ أَنَّهُ قَـصَّرَ عَنْ مَقْدِرَةٍ، قَالَ تعالى عَنْ هَذَا المَوْقِفِ: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾.

فَبَيَّنَ لَهُ سَيِّدُنَا هَارُونُ المَوْقِفَ، وَقَالَ لَهُ كَمَا أَخْبَرَنَا تعالى: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.

وَكَانَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَدِيدَ الغَضَبِ للهِ تعالى، لَكِنَّهُ سَرِيعُ الفَيْءِ، فَعِنْدَمَا عَرَفَ الحَقِيقَةَ مِنْ أَخِيهِ هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. طَلَبَ الغُفْرَانَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَلْقَى التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ مَا حَمَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ غَيِّهِمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ﴾. لَا يَعْنِي أَنَّهُ رَمَاهَا، بَلْ وَضَعَهَا جَانِبَاً، وَسَأَلَ اللهَ المَغْفِرَةَ لَهُ أَوَّلَاً لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
8373 مشاهدة