أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

319 - رجل يتدخل فيما لا يعنيه

02-05-2007 434 مشاهدة
 السؤال :
رجل يعاني كثيراً من كثرة الكلام، وخاصة فيما لا يعنيه، ويخشى على طاعاته أن تفوته يوم القيامة بهذا السبب، فبماذا يُنصح هذا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 319
 2007-05-02

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ في هَذَا المَيْدَانِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾.

وَمَنْ عَرَفَ خَطَرَ اللِّسَانِ قَلَّ كَلَامُهُ، فَاللِّسَانُ صَغِيرٌ جِرْمُهُ ـ أَيْ حَجْمُهُ ـ عَظِيمٌ طَاعَتُهُ وَجُرْمُهُ، وَإِنَّهُ أَعْصَى الأَعْضَاءِ عَلَى الإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ لَا تَعَبَ في إِطْلَاقِهِ، وَلَا مُؤْنَةَ في تَحْرِيكِهِ، فَمَنْ أَطْلَقَ عَذَبَةَ اللِّسَانِ ـ أَيْ طَرَفَهُ في الكَلَامِ ـ سَلَكَ بِهِ الشَّيْطَانُ في كُلِّ مَيْدَانٍ، وَلَا يُكَبُّ النَّاسُ في النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ.

وَلْنَسْمَعْ جَمِيعَاً هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الجَامِعَ المَانِعَ، عَنْ سَيِّدِنَا مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمَاً قَرِيبَاً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئَاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ».

ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ».

قَالَ: ثُمَّ تَلَا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ﴾. حَتَّى بَلَغَ ﴿يَعْمَلُونَ﴾.

ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟» ـ أَيْ: أَعْلَاهُ ـ

قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ».

ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟».

قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ.

فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا».

فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟

فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ ـ أَيْ فَقَدَتْكَ ـ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». رواه الترمذي.

وَاللهِ مَنْ فَكَّرَ في هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ وَتَدَبَّرَهُ قَلَّ كَلَامَهُ، وَتَأَسَّى بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ» رواه النسائي.

نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِحِفْظِ اللِّسَانِ. آمين آمين آمين.

وَمِنْ فَوَائِدِ الصَّمْتِ وَحِفْظِ اللِّسَانِ:

1ـ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الإِيمَانِ، وَحُسْنِ الإِسْلَامِ.

2ـ السَّلَامَةُ مِنَ العَطَبِ في المَالِ وَالنَّفْسِ وَالعِرْضِ.

3ـ دَلِيلُ حُسْنِ الخُلُقِ وَطَهَارَةِ النَّفْسِ.

4ـ يُثَمِّرُ مَحَبَّةَ اللهِ تعالى، ثُمَّ مَحَبَّةَ النَّاسِ.

5 ـ يُهَيِّئُ المُجْتَمَعَ الصَّالِحَ، وَالنَّشْءَ الصَّالِحَ.

6ـ الفَوْزُ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةُ مِنَ النَّارِ.

فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَهُ اللهُ تعالى بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الحَمِيدَةِ، فَلْيَحْفَظْ لِسَانَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمْ بِمَا لَا يَعْنِيهِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
434 مشاهدة
الملف المرفق