أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

9248 - نقل الميت

26-10-2018 1376 مشاهدة
 السؤال :
رجل مقيم في بلد (ما) أوصى أن ينقل بعد موته إلى مكان آخر، فهل هذه وصية شرعية يجب تنفيذها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9248
 2018-10-26

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُدْفَنَ في مَكَانٍ مُعَيَّنٍ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ، وَخَاصَّةً إِذَا أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ في جِوَارِ المَوْتَى الصَّالِحِينَ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُدْفَنَ في قَبْرِ إِنْسَانٍ مَيْتٍ، إِلَّا إِذَا بَلِيَتْ عِظَامُ المَيْتِ الأَوَّلِ.

ثانياً: إِذَا كَانَتْ وَصِيَّةُ الإِنْسَانِ أَنْ يُدْفَنَ في بَلَدٍ غَيْرِ البَلَدِ التي مَاتَ فِيهَا، فَلَا حَرَجَ في نَقْلِهِ إلى البَلَدِ التي عَيَّنَهَا، وَلَكِنْ بِشُرُوطٍ كَمَا ذَكَرَهَا الفُقَهَاءُ:

1ـ الحَنَفِيَّةُ قَالُوا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ العَبْدُ في المَكَانِ الذي مَاتَ فِيهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تُدْفَنُ الْأَجْسَادُ حَيْثُ تُقْبَضُ الْأَرْوَاحُ» رواه ابن أبي شيبة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

وَلَا حَرَجَ مِنْ نَقْلِهِ إلى بَلَدٍ آخَرَ قَبْلَ دَفْنِهِ إِذَا أَمِنَ تَغَيُّرُ رَائِحَتِهِ، وَعَلَى أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ مَسَافَةَ القَصْرِ.

2ـ الشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: يَحْرُمُ نَقْلُهُ مِنْ بَلَدٍ إلى آخَرَ لِيُدْفَنَ فِيهِ، حَتَّى لَو أَمِنَ تَغَيُّرُهُ، عَدَا مَنْ مَاتَ قَرِيبَاً مِنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، أَو المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، أَو بَيْتِ المَقْدِسِ، أَو مَاتَ قَرِيبَاً مِنْ مَقْبَرَةِ قَوْمٍ صَالِحِينَ.

3ـ الحَنَابِلَةُ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِنَقْلِ المَيْتِ إلى بَلَدٍ آخَرَ، وَذَلِكَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، كَأَنْ يُنْقَلَ إلى بُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ لِيُدْفَنَ فِيهَا، أَو لِيُدْفَنَ في جِوَارِ رَجُلٍ صَالِحٍ.

4ـ المَالِكِيَّةُ قَالُوا: يَجُوزُ نَقْلُهُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، أَوَّلُهَا: أَنْ لَا يَنْفَجِرَ حَالَ مَوْتِهِ، ثَانِيهَا: أَنْ لَا تُنْتَهَكَ حُرْمَتُهُ، ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ نَقْلُهُ لِمَصْلَحَةٍ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالأَوْلَى أَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلُ حَيْثُ يَمُوتُ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَفَنَ شُهَدَاءَ أُحُدٍ حَيْثُ اسْتُشْهِدُوا، وَلَمْ يَنْقُلْهُمْ إلى البَقِيعِ مَعَ أَنَّ مَقْبَرَةَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ قَرِيبَةٌ مِنْهُمْ.

وَنُقِلَ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِـحُبْشِيٍّ قَالَ: فَحُمِلَ إِلَى مَكَّةَ، فَدُفِنَ فِيهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ أَتَتْ قَبْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَوْ حَضَرْتُكَ مَا دُفِنْتَ إِلَّا حَيْثُ مُتَّ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ. رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. لِأَنَّهَا لَمْ تَرَ غَرَضَاً في نَقْلِهِ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: المَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، وَالخُرُوجُ مِنَ الخِلَافِ أَوْلَى. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
1376 مشاهدة