345ـ خطبة الجمعة: أناشدكم الله يا أهل سوريا

345ـ خطبة الجمعة: أناشدكم الله يا أهل سوريا

 

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبادَ الله، المؤمنُ الحَقُّ هوَ من تَطابَقَت أقوالُهُ معَ أفعالِهِ، المؤمنُ الحَقُّ هوَ من جاءَت أفعالُهُ مُصَدِّقَةً لأقوالِهِ، وقالوا: من ادَّعى ما ليسَ فيهِ كَشَفَتْهُ شَواهِدُ الامتِحانِ.

يا عبادَ الله، سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قالَ عن ذاتِهِ الشَّريفَةِ: «يا أيُّها النَّاسُ، إنَّما أنا رَحمَةٌ مُهداةٌ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّاناً، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وقالَ تَبارَكَ وتعالى عن الحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾.

صُوَرٌ من رَحمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَنْظُرْ في سِيرَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حتَّى نَتَعَرَّفَ عن رَحمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أولاً: غَضِبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَما فُرِّقَ بَينَ طائِرٍ صَغيرٍ وَوَلَدَيهِ، روى أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً ـ طَائِرٌ صَغيرٌ كالعُصفورِ ـ مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَت الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ ـ تَرتَفِعُ وتُظَلِّلُ بِجَناحَيها من تَحتِها ـ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا».

ثانياً: حَذَّرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من قَتلِ عُصفورٍ عَبَثاً، روى الإمام أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّرِيدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُوراً عَبَثاً عَجَّ ـ شَكا بِصَوتٍ عالٍ ـ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلَاناً قَتَلَنِي عَبَثاً، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ».

ثالثاً: كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَجَوَّزُ في صَلاتِهِ رَحمَةً بالمرأةِ إذا بَكى وَلَدُها الصَّغيرُ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ».

أينَ الرَّحمَةُ بَينَنا؟

يا أيَّتُها الأمَّةُ التي تَدَّعي بأنَّ نَبِيَّها سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أينَ هذهِ الرَّحمَةُ بَينَنا؟

لقد غَضِبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَما فُرِّقَ بَينَ طَائِرٍ صَغيرٍ وَوَلَدَيهِ، وحَذَّرَ من قَتلِ عُصفورٍ صَغيرٍ بِغَيرِ حَقٍّ، وكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقصِرُ صَلاتَهُ إذا سَمِعَ بُكاءَ طِفلٍ رَحمَةً بأمِّهِ.

يا عبادَ الله، لا أقولُ كم من عُصفورٍ قُتِلَ في هذهِ الأزمَةِ بِغَيرِ حَقٍّ؟ ولكن أقولُ: كم من طِفلٍ صَغيرٍ قُتِلَ بِغَيرِ حَقٍّ؟ وكم فُرِّقَ بَينَ أبناءٍ وآبائِهِم بِغَيرِ حَقٍّ؟ فأينَ الرَّحمَةُ بَينَنا يا من نَقولُ صَباحَ مَساءَ: رَضينا بالله تعالى ربَّاً، وبالإسلامِ دِيناً، وبالقُرآنِ إماماً، وبسيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً؟

يا عبادَ الله، أينَ الشَّفَقَةُ والرَّحمَةُ بَينَنا عِندَما نَسمَعُ بُكاءَ الأطفالِ والنِّساءِ والرِّجالِ والمَرضى؟ هل قَسَتِ القُلوبُ إلى دَرَجَةٍ نُزِعَت منها الرَّحمَةُ كُلِّيَّاً، والتي هيَ عُنوانُ الشَّقاءِ؟ يا أهلَ سوريَّا على كُلِّ المُستَوَياتِ، أينَ خُلُقُ الرَّحمَةِ فينا؟

أيُّها المُتَقاتِلونَ، أناشِدُكُمُ اللهَ:

أيُّها المُتَقاتِلونَ في هذا البَلَدِ الحَبيبِ، أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى كُفُّوا عن القِتالِ، أناشِدُكُمُ اللهَ والرَّحِمَ كُفُّوا عن القِتالِ، أناشِدُكُمُ دِينَكُم الذي في صُدورِكُم كُفُّوا عن القِتالِ، أناشِدُكُمُ اللهَ وحُبَّكُم له كُفُّوا عن القِتالِ، أناشِدُكُمُ إخلاصَكُم كُفُّوا عن القِتالِ، أناشِدُكُمُ طاعَتَكُم لله ولِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُفُّوا عن القِتالِ، أناشِدُكُمُ تَعظيمَكُم لأوامِرِ الله ولأوامِرِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُفُّوا عن القِتالِ، أناشِدُكُمُ تَصديقَكُم بِوَعدِ الله وَوَعيدِهِ كُفُّوا عن القِتالِ، أناشِدُكُمُ إيمانَكُم بأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وأنَّ النَّارَ حَقٌّ كُفُّوا عن القِتالِ.

أناشِدُكُمُ اللهَ الذي رَفَعَ السَّماءَ بِغَيرِ عَمَدٍ، وبَسَطَ الأرضَ، وأسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً كُفُّوا عن القِتالِ.

أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى القائِلَ: ﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُون * لِيَوْمٍ عَظِيم * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين﴾. كُفُّوا عن القِتالِ.

أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى القائِلَ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾. كُفُّوا عن القِتالِ.

أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى القائِلَ: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ واللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد﴾. كُفُّوا عن القِتالِ.

أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى القائِلَ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد﴾. كُفُّوا عن القِتالِ.

أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى القائِلَ: ﴿وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون﴾. كُفُّوا عن القِتالِ.

أيُّها المُتَقاتِلونَ:

أيُّها المُتَقاتِلونَ، تَعِبَتِ الأمَّةُ، شَقِيَتِ الأمَّةُ، جاعَتِ الأمَّةُ، كادَت أن تُفتَنَ في دِينِها إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى، سُفِكَتِ الدِّماءُ البَريئَةُ، هُدِّمَتِ البُيوتُ، اُنتُهِكَتِ الأعراضُ، أُتلِفَتِ الأموالُ.

أيُّها المُتَقاتِلونَ، إنَّ هذهِ الدِّماءَ دِماءُ إخوانِكُم، والبُيوتَ بُيوتُ إخوانِكُم، والأعراضَ أعراضُ إخوانِكُم، والأموالَ أموالُ إخوانِكُم.

أيُّها المُتَقاتِلونَ، اِرحَموا سَوادَ الأمَّةِ، اِرحَموا الأطفالَ، اِرحَموا النِّساءَ، اِرحَموا المَرضى، اِرحَموا الشُّيوخَ العُجَّزَ، اِرحَموا العُمَّالَ والمُوَظَّفينَ أصحابَ الدَّخلِ المَحدودِ، اِرحَموا الطُّلَّابَ، اِرحَموا إخوانَكُم بالله عَلَيكُم.

أيُّها المُتَقاتِلونَ، النَّاسُ يُريدونَ لُقمَةَ الحَلالِ، لا يُريدونَ الحَرامَ، أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى كُفُّوا عن القِتالِ.

اُذكُروا نِعمَةَ الله تعالى عَلَيكُم:

أيُّها المُتَقاتِلونَ، أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى كُفُّوا عن القِتالِ، وتَذَكَّروا قَولَ الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون﴾.

أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى كُفُّوا عن القِتالِ، واقطَعوا الطَّريقَ على حُكَّامِ الشَّرقِ والغَربِ الذينَ لا يَرعَونَ في المؤمنينَ ولا في العَرَبِ إلَّاً ولا ذِمَّةً.

حُكَّامُ الشَّرقِ والغَربِ، والله لا يُريدونَ مَصلَحَتَنا، ولا يُريدونَ حَقْنَ دِمائِنا، ولا يُريدونَ سَلامَةَ مُمتَلَكاتِنا، ولا سَلامَةَ أعراضِنا، ولا سَلامَةَ أموالِنا.

حُكَّامُ الشَّرقِ والغَربِ يَلعَبونَ بالأمَّةِ العَرَبِيَّةِ والإسلامِيَّةِ كما يَلعَبُ الأولادُ بالكُرَةِ ، يُريدونَ أن يُطفِئوا نورَ الله فينا، يُريدونَ أن نَميلَ مَيلاً عَظيماً، يُريدونَ هَدْمَ أخلاقِنا وقِيَمِنا.

أيُّها المُتَقاتِلونَ، أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى، اِقطَعوا الطَّريقَ على الذينَ قال تعالى فيهِم: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون﴾.

أيُّها المُتَقاتِلونَ، كُفُّوا عن القِتالِ، فإنَّ حُكَّامَ الشَّرقِ والغَربِ يُريدونَ الخَيراتِ التي تحتَ أقدامِنا.

أيُّها المُتَقاتِلونَ، أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى، اِقطَعوا الطَّريقَ على المَلعونينَ أينَما ثُقِفوا، على المَلعونينَ على لِسانِ داودَ وعيسى ابنِ مَريَمَ، على الذينَ ضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ والمَسكَنَةُ، وباؤوا بِغَضَبٍ من الله.

والله الذي لا إلهَ غَيرُهُ، حُكَّامُ الغَربِ والشَّرقِ لا يُريدونَ الخَيرَ لِطَرَفٍ منكَم، هُم حَريصونَ كُلَّ الحِرصِ على مَصالِحِهِم، ومَصالِحِ اليَهودِ.

أناشِدُكُمُ اللهَ تعالى كُفُّوا عن القِتالِ.

يا أهلَ سوريَّا في خارِجِ القُطرِ:

أمَّا أنتُم يا أيُّها الإخوَةُ السُّورِيُّونَ خارِجَ القُطرِ، لقد أقَمتُم خارِجَ البَلَدِ أنتُم وأزواجُكُم وأولادُكُم تُحبَرونَ، تَنعَمونَ بِنِعمَةِ الأمنِ والأمانِ، أُناشِدُكُمُ اللهَ والرَّحِمَ، اِتَّقوا اللهَ في سَوادِ الأمَّةِ في هذا البَلَدِ، أُناشِدُكُمُ اللهَ والرَّحِمَ، لا تُحَرِّضوا على سَفْكِ الدِّماءِ أكثَرَ من ذلكَ.

أُناشِدُكُمُ اللهَ تعالى القائِلَ في كِتابِهِ العَظيمِ: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾.

أُناشِدُكُمُ اللهَ والرَّحِمَ، تَذَكَّروا قَولَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

أُناشِدُكُمُ اللهَ والرَّحِمَ، يا من أقَمتُم خارِجَ القُطرِ في بِلادٍ عَرَبِيَّةٍ وغَيرِ عَرَبِيَّةٍ، في بِلادِ كُفرٍ وغَيرِها، كُفُّوا عن التَّحريشِ والتَّحريضِ على القِتالِ.

كفانا سَفْكاً للدِّماءِ البَريئَةِ، وإتلافاً للأموالِ والمُمتَلَكاتِ العَامَّةِ والخَاصَّةِ، ماذا تُريدونَ أكثَرَ من ذلكَ؟ هل تُريدونَ أن يُصبِحَ القُطرُ رُكاماً؟ اِتَّقوا الله تعالى في أهلِكُم.

يا أهلَ سوريَّا في الدَّاخِلِ:

أمَّا أنتُم يا أهلَ سوريَّا في الدَّاخِلِ يا سَوادَ الأمَّةِ، يا من أقَمتُم داخِلَ هذا البَلَدِ، أُناشِدُكُمُ اللهَ تعالى، وأُناشِدُ نَفسي أولاً، لِنَتَساءَلْ معَ أنفُسِنا هل اختَلَفَت أحوالُنا في الأزمَةِ عنها قَبلَ الأزمَةِ؟

هل تَحَوَّلنا في الأزمَةِ من حَسَنٍ إلى أحسَنَ، أم من حَسَنٍ إلى سَيِّءٍ؟

أُناشِدُكُمُ اللهَ تعالى أيُّها الإخوَةُ، اِصطَلِحوا معَ الله تعالى، والتَزِموا الطَّاعاتِ، واهجُروا المَعاصي والمُنكَراتِ، وتَذَكَّروا قَولَ الله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾.

أُناشِدُكُمُ اللهَ والرَّحِمَ، تَراحَموا فيما بَينَكُم، وأنتُم أيُّها الباعَةُ، أُناشِدُكُمُ اللهَ والرَّحِمَ، اِرحَموا العِبادَ، فالرَّاحِمونَ يَرحَمُهُمُ الرَّحمنُ، اِرحَموا من في الأرضِ، يَرحَمكُم من في السَّماءِ.

أُناشِدُ اللهَ الجَميعَ، لِنَرجِعْ إلى الله تعالى، ولنَصطَلِحْ معَ الله أولاً، ثمَّ معَ بَعضِنا البَعضِ ثانياً.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا عبادَ الله، ربُّنا عزَّ وجلَّ رحمنٌ رحيمٌ، ونَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحمَةٌ مُهداةٌ، وهوَ أُسوَتُنا وقُدوَتُنا، فلنَتَراحَم فيما بَينَ بَعضِنا البَعضِ، ولنَقطَعِ الطَّريقَ على الذينَ باؤوا بِغَضَبٍ من الله. ما جَرى يَكفينا.

اللَّهُمَّ فَرِّجْ عنَّا ما نحنُ فيه عاجِلاً غَيرَ آجِلٍ. آمين.

أقولُ هَذا القَولَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 30 /شوال/1434هـ، الموافق: 6 /أيلول / 2013م

 2013-09-06
 5683
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-03-2024 20 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 20
21-03-2024 625 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 625
14-03-2024 961 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 961
08-03-2024 861 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 861
09-02-2024 2556 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2556
02-02-2024 2256 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2256

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411983117
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :