445ـ خطبة عيد الفطر 1436هـ: هم القبول

445ـ خطبة عيد الفطر 1436هـ: هم القبول

 

 445ـ خطبة عيد الفطر 1436هـ: هم القبول

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبَادَ اللهِ، هذا شَهْرُ رَمَضَانَ قَد رَحَلَ عَنَّا ومَضَى مَعَ الرَّاحِلِينَ، ورَحِيلُهُ خَيْرُ شَاهِدٍ على أَنَّ اللهَ يَرِثُ الأَرْضَ ومَن عَلَيْهَا، وهوَ خَيْرُ الغَالِبِينَ.

مَضَى هذا الشَّهْرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ، وقَد أَحْسَنَ فِيهِ أُنَاسٌ وأَسَاءَ آخَرُونَ، مَضَى هذا الشَّهْرُ وهوَ شَاهِدٌ لَنَا أَو عَلَيْنَا، شَاهِدٌ لِمَنْ شَمَّرَ عَن سَاعِدِ جِدِّهِ  فَصَامَهُ حَقَّ الصِّيَامِ، وقَامَهُ حَقَّ القِيَامِ، وشَاهِدٌ على المُقَصِّرِ الغَافِلِ المُعْرِضِ عَن اللهِ تعالى ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.

هَمُّ القَبُولِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، أَهْلُ التَّقْوَى والصَّلاحِ الذينَ آمَنُوا باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، والنَّارَ حَقٌّ، يَحْمِلُونَ هَمَّ القَبُولِ بَعْدَ أَدَاءِ الطَّاعَاتِ والعِبَادَاتِ، لأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.

روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾. يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يَخَافُ اللهَ؟

قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ، وَهُوَ يُخَافُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ».

ويَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: كُونُوا لِقَبُولِ العَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَامَاً مِنْكُم بالعَمَلِ، فَإِنَّهُ لَنْ يِقَلَّ عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَى، وَكَيْفَ يَقِلُّ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ.

ويَقُولُ فُضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ: لَأَنْ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثْقَالَ حَبَّةٍ من خَرْدَلٍ أَحَبُّ إِلَيَّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا؛ لأَنَّ اللَه تَبَارَكَ وتعالى يِقُولُ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.

ويَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لَأَنْ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مِنِّي عَمَلَاً أَحَبُّ إِلَيَّ من أَنْ يَكُونَ لِي مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبَاً.

الثَّبَاتُ على الاسْتِقَامَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ:

يَا عِبَادَ اللهِ، يَا مَن اسْتَجَبْتُمْ لأَمْرِ اللهِ رَبِّكُم حِينَ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ﴾. اِسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم في سَائِرِ الأَيَّامِ، قَالَ تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ﴾.

يَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أَبَى قَوْمٌ المُدَاوَمَةَ، واللهِ مَا المُؤْمِنُ بالذي يَعْمَلُ شَهْرَاً أو شَهْرَيْنِ أو عَامَاً أو عَامَيْنِ، لا واللهِ مَا جُعِلَ لِعَمَلِ المُؤْمِنِ أَجَلٌ دُونَ المَوْتِ.

ويَقُولُ كَعْبٌ: مَن صَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ إِذَا أَفْطَرَ من رَمَضَانَ لَمْ يَعْصِ اللهَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ ولا حِسَابٍ، وَمَن صَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ إِذَا أَفْطَرَ عَصَى رَبَّهُ فَصِيَامُهُ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ.

يَا عِبَادَ اللهِ، المُعَوَّلُ عَلَيْهِ هوَ الاسْتِقَامَةُ على الطَّاعَةِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، المُؤْمِنُ الحَقُّ هوَ الذي يَسْتَمِرُّ في الطَّاعَةِ والمُدَاوَمَةِ على الخَيْرَاتِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، لأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْبُدُ رَمَضَانَ، بَل كَانَ يَعْبُدُ رَبَّ رَمَضَانَ، ورَبُّ رَمَضَانَ هوَ رَبُّ الشُّهُورِ كُلِّهَا، فَلَيْتَ شِعْرِي مَا بَالُنَا نَكُونُ في رَمَضَانَ خَاشِعِينَ رَاكِعِينَ سَاجِدِينَ تَالِينَ للقُرْآنِ، وبَعْدَ رَمَضَانَ نَعُودُ فَنَنْغَمِسُ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، ونَهْدِمُ كُلَّ مَا قَدَّمْنَاهُ في رَمَضَانَ، وَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثَاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.

روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ، عَرَفْتُمُ الخَيْرَ فَالْزَمُوهُ حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ عزَّ وجلَّ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ : «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟».

قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنَاً حَقَّاً.

فَقَالَ: «انْظُرْ مَا تَقُولُ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟».

فَقَالَ: قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي، وَأَظْمَأتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزَاً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا.

فَقَالَ: «يَا حَارِثُ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ» ثَلاثَاً.

اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/شوال/1435هـ، الموافق: 17/ تموز/ 2015م

 2015-07-17
 3757
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 38 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 38
12-04-2024 663 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 663
09-04-2024 560 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 560
04-04-2024 680 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 680
28-03-2024 570 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 570
21-03-2024 1001 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1001

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412839795
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :