500ـ خطبة الجمعة: ما نفذ مكرهم إلا من خلالنا

500ـ خطبة الجمعة: ما نفذ مكرهم إلا من خلالنا

.

500ـ خطبة الجمعة: ما نفذ مكرهم إلا من خلالنا

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَعْدَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ مَهْمَا وُجِدَ بَيْنَهُمْ مِنَ التَّبَاغُضِ وَالتَّبَايُنِ وَالتَّنَاقُضِ وَالتَّدَابُرِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا وَاجَهُوا الحَقَّ وَوَاجَهُوا الإِسْلَامَ، وَحَّدَوا صُفُوفَهُمْ في مُوَاجَهَتِهِ، وَنَسُوا العَدَاوَاتِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَاتَّفَقُوا على الكَيْدِ المُوَجَّهِ ضِدَّ الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: وَلَكِنَّ الحَقَّ يُقَالُ، هَذَا الكَيْدُ المُوَجَّهُ للإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِيَبْلُغَ مَبْلَغَهُ وَيُحَقِّقَ أَثَرَهُ لَوْلَا أَنَّهُ وَجَدَ آذَانَاً صَاغِيَةً مِنَ المُسْلِمِينَ، وَوَجَدَ تُرْبَةً خِصْبَةً لِزَرْعِهِ في بِلَادِ المُسْلِمِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوَّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورَاً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَكْرُ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ بِالإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ مَا نُفِّذَ إلا مِنْ خِلَالِ المُسْلِمِينَ، وَبِحَبْلٍ مِنْهُمْ بَلَغَ مَا يُرِيدُ، أَلَا تَتَدَبَّرُونَ خُطْبَةَ الشَّيْطَانِ الشَّهِيرَةِ التي ذَكَرَهَا اللهُ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ:﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَـمَّا قُـضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾؟ لَقَدْ تَجَاوَبَ النَّاسُ مَعَ كَيْدِ الـشَّرْقِ وَالغَرْبِ تَحْتَ عُنْوَانِ وَشِعَارِ: الرَّبِيعُ العَرَبِيُّ.

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلُومَ أَنْفُسَنَا، وَأَنْ نَعُودَ إلى رُشْدِنَا وَعَقْلِنَا، وَأَنْ نَكُونَ على يَقِينٍ أَنَّهُ مَا كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ لِيَحْدُثَ لَوْلَا أَنْ تَجَاوَبَ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ مَعَ هَذَا الكَيْدِ العَظِيمِ، وَأَنْ نَذْكُرَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

ادْفِنِي قَتْلَاكِ وَارْضَيْ بِالمُصِيبَه    ***   وَاذْهَبِي عَاصِفَةَ اللَّيْلِ غَرِيبَه

وَاحْمِلِي الـعَـارَ الـذي أَنْـجَبْتِهِ   ***   وَتَوَارَيْ في الزَّنَـازِينِ الرَّهِيبَه

أَنْتِ ضَيَّعْتِ البُطُولَاتِ سُدَىً   ***   يَـا شُـعُوبَاً لَمْ تُـعَلِّمْهَا المُصْيبَه

﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَكْرُ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ بِالإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ لَيْسَ بِالسَّهْلِ، بَلْ هُوَ عَظِيمٌ، مَكْرُهُمْ تَشِيبُ مِنْهُ الرُّؤُوسُ، فَهُمْ يَمْكُرُونَ لَيْلَهُمْ وَنَهَارَهُمْ، وَيُخَطِّطُونَ للإِيقَاعِ بِالمُسْلِمِينَ، وَلَا يَأْلُونَ جُهْدَاً، فَالمَكْرُ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ دِقَّةُ التَّخْطِيطِ، فَيُخَطِّطُونَ وَيَنْتَبِهُونَ لِكُلِّ دَقِيقٍ وَجَلِيلٍ، وَيَحْسِبُونَ لِكُلِّ شَيْءٍ حِسَابَهُ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تعالى كَيْدَهُمْ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾. مَكْرٌ لَوْ تَحَقَّقَ لَزَالَتْ مِنْهُ الجِبَالُ، وَلَكِنْ للهِ الحَمْدُ القَائِلِ: ﴿وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ﴾. وَالقَائِلِ: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْـمَاكِرِينَ﴾. وَالقَائِلِ: ﴿وَمَكَرْنَا مَكْرَاً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.

لَقَدْ خُيِّلَ للشَّرْقِ وَالغَرْبِ أَنَّ الأُمُورَ قَدِ اسْتَحْكَمَتْ بِأَيْدِيهِم، وَأَنَّهُ لَا أَحَدَ يُنَافِسُهُمْ، وَلَا يَهِيجُهُمْ، وَلَا يُغَيِّرُ مِنْ سُلْطَانِهِمْ، لَكِنَّهُمْ نَسُوا: ﴿وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ﴾. وَنَسُوا: ﴿وَاللهُ خَيْرُ الْـمَاكِرِينَ﴾. وَنَسُوا: ﴿وَمَكَرْنَا مَكْرَاً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا نَسِيَ الشَّرْقُ وَالغَرْبُ حَقِيقَةَ: ﴿وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ﴾. فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَنْسَى المُؤْمِنُونَ هَذِهِ الحَقِيقَةَ؟

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَنْسَى المُؤْمِنُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾؟

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَنْسَى المُؤْمِنُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدَاً * وَأَكِيدُ كَيْدَاً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدَاً﴾؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مَكْرُ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ رَهِيبٌ، وَيُزِيلُ الجِبَالَ إِذَا تَحَقَّقَ، وَلَكِنْ وَاللهِ يُصْبِحُ هَبَاءً إِذَا تَحَقَّقَتِ الأُمَّةُ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى، وَاسْمَعُوا إلى هَذِهِ البِشَارَةِ مِنَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَـضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئَاً إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. ذَاكَ المَكْرُ الذي إِذَا تَحَقَّقَ تَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ، لَا يَضُرُّكُمْ إِذَا صَبَرْتُمْ وَاتَّقَيْتُمْ.

فَيَا أَهْلَ بِلَادِ الشَّامِ عَامَّةً، وَيَا أَهْلَ حَلَبَ خَاصَّةً، عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ، بِالصَّبْرِ على الطَّاعَاتِ، وَالصَّبْرِ عَنِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَالصَّبْرِ على الابْتِلَاءَاتِ.

عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ تعالى، بِأَنْ نَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وأَنْ نَذْكُرَ المَوْتَ وَالبِلَى؛ وَبَعْدَ ذَلِكَ أَبْشِرُوا.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الصَّبْرَ على الطَّاعَاتِ، وَالصَّبْرَ عَنِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَالصَّبْرَ على الابْتِلَاءَاتِ، وَوَفِّقْنَا لِأَنْ نَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وأَنْ نَذْكُرَ المَوْتَ وَالبِلَى. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 10/ شوال /1437هـ، الموافق: 15/تموز / 2016م

 2016-07-14
 2249
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 38 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 38
12-04-2024 663 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 663
09-04-2024 560 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 560
04-04-2024 680 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 680
28-03-2024 571 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 571
21-03-2024 1001 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1001

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412845036
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :