144ـمع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم : سالم مولى أبي حذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا

144ـمع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم : سالم مولى أبي حذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

144ـ سالم مولى أبي حذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا مِنْ أُمَّةٍ بَادَتْ، وَأُمَّةٍ سَادَتْ، إِلَّا مِنْ خِلَالِ شَبَابِهَا الذينَ هُمْ عُمْدَتُهَا، بِحَيْثُ يُؤَثِّرُونَ فِيهَا سَلْبَاً أَو إِيجَابَاً، فَالشَّبَابُ وَالشَّابَّاتُ يَدْفَعُونَ عَجَلَةَ تَارِيخِ الأُمَّةِ نَحْوَ أَمَلٍ مُشْرِقٍ وَمُسْتَقْبَلٍ مُضِيءٍ، أَو يَرُدُّونَهَا إلى الوَرَاءِ جَهْلَاً وَحُمْقَاً.

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، هَلْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاجَهَ قَوْمَهُ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ، بَلْ وَكَسَرَهَا، وَهُوَ شَابٌّ يَافِعٌ، قَالَ تعالى عَنْ قَوْمِهِ: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتَىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾؟

وَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَجُلَاً مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ صَدَحَ بِكَلِمَةِ الحَقِّ وَنَادَى في قَوْمِهِ، كَمَا أَخْبَرَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: فَقَالَ: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾. كَانَ شَابَّاً؟

وَهَلْ تَعْلَمُونَ خَبَرَ أَصْحَابِ القَرْيَةِ الذينَ أَرْسَلَ اللهُ تعالى إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةً مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَكَذَّبُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، فَإِذَا بِشَابٍّ يَجِيءُ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى وَيَقُولُ: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرَاً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾؟

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، مَنْ هُمْ جُلَسَاؤُكُمْ؟ هَلْ هُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، أَمْ مِنْ أَهْلِ الفَسَادِ؟

اذْكُرُوا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحَاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحَاً خَبِيثَةً» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ، كُونُوا رِجَالَاً بِكُلِّ مَا تَحْتَوِيهِ هَذِهِ الكَلِمَةُ مِنْ مَعْنَىً، مِنْ أَجْلِ أُمَّتِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَسْتَحْضِرُونَ كَلَامَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي قَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَمَنَّوْا.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبَاً أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَتَصَدَّقُ.

وَقَالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ زَبَرْجَدَاً وَجَوْهَرَاً فَأُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَتَصَدَّقُ.

ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: تَمَنَّوْا.

فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ.

فَقَالَ عُمَرُ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ رِجَالَاً مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُــذَيْفَةَ، وَحُـذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ـ وَجَاءَ في أُسْدِ الغَابَةِ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَأَسْتَعْمِلَهُمْ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ـ. رواه الحاكم عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ كَانَ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِلْءَ البَيْتِ رِجَالٌ كَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ مَنْ هَذَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؟

أولاً: قَالَ فِيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ سَالِمَاً شَدِيدُ الْحُبِّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه أَبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ. وَقَالَ فِيهِ: «إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ تَعَالَى حَقَّاً مِنْ قَلْبِهِ».

ثانياً: كَانَ عَبْدَاً رَقِيقَاً لِبُثَيْنَةَ بِنْتِ يَعَارَ، أَعْتَقَتْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فَتَىً يَافِعٌ يَقْتَرِبُ مِنَ الحُلُمِ، وَقَدْ دَعَاهَا إلى تَحْرِيرِهِ مَا كَانَتْ تَرَى فِيهِ مِنْ رِقَّةِ الشَّمَائِلِ، وَنَبَالَةِ الخَصَائِلِ، وَآيَاتِ النَّجَابَةِ، وَمَا تَلْمَحُ في سُلُوكِهِ في أَمَارَاتِ الخَيْرِ وَالبِرِّ.

فَشَقَّ عَلَى زَوْجِهَا الشَّابِّ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ، أَحَدِ سَرَاةِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْ يُسَرَّحَ سَالِمٌ في هَذِهِ السِّنِّ المُبَكِّرَةِ، وَأَنْ يُوكَلَ أَمْرُهُ إلى نَفْسِهِ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ وَمَضَى بِهِ إلى الحَرَمِ، وَانْتَصَبَ قَائِمَاً في جُمُوعِ قُرَيْشٍ المُنْتَثِرَةِ حَوْلَ الكَعْبَةِ وَقَالَ: اشْهَدُوا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَنِّي قَدْ تَبَنَّيْتُ سَالِمَاً هَذَا، بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَتْهُ زَوْجَتِي بُثَيْنَةُ، وَأَنَّهُ قَدْ غَدَا مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الابْنِ مِنْ أَبِيهِ.

فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: نِعْمَ مَا صَنَعْتَ يَا ابْنَ عُتْبَةَ.

وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْمِ أَصْبَحَ الفَتَى يُدْعَى سَالِمَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ.

وَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى انْبَثَقَ مِنْ بَطْحَاءِ مَكَّةَ قَبَسٌ مِنَ النُّورِ الإِلَهِيِّ، وَبَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ بِدِينِ الهُدَى وَالحَقِّ، فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ وَابْنُهُ سَالِمٌ مِنْ أَوَائِلِ مَنْ أَشْرَقَتْ نُفُوسُهُمْ بِهَذَا الضِّيَاءِ القُدْسِيِّ، وَاسْتَنَارَتْ قُلُوبُهُمْ بِنُورِهِ.

فَمَضَى الأَبُ وَابْنُهُ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَنَا إِسْلَامَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَشَهِدَا مَعَاً أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَخَاتَمُ رُسُلِهِ.

لَمْ يَمْضِ غَيْرُ قَلِيلٍ عَلَى دُخُولِ أَبِي حُذَيْفَةَ وَابْنِهِ سَالِمٍ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى أَبْطَلَ الإِسْلَامُ طَرِيقَةَ التَّبَنِّي، وَأَمَرَ النَّاسَ بِرَدِّ الأَبْنَاءِ إلى آبَائِهِمْ حِفْظَاً للأَنْسَابِ، وَإِقْلَاعَاً عَنْ مَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِ الجَاهِلِيَّةِ، وَنَزَلَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في شَأْنِ المُتَبَنَّيْنَ: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾.

فَاسْتَجَابَ المُسْلِمُونَ إلى أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَهَبُّوا يَبْحَثُونَ عَنْ أَنْسَابِ مَنْ تَبَنَّوْهُمْ، وَيَتَعَرَّفُونَ عَلَى آبَائِهِمْ، وَيَرُدُّونَهُمْ إِلَيْهِمْ.

لَكِنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ لَمْ يَهْتَدِ إلى وَالِدِ سَالِمٍ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَثْرَةِ البَحْثِ وَالتَّنْقِيبِ، ذَلِكَ لِأَنَّ سَالِمَاً سُبِيَ صَغِيرَاً، وَجُلِبَ إلى مَكَّةَ، وَبِيعَ في سُوقِ النَّخَّاسِينَ وَهُوَ في سِنٍّ لَا تُمَكِّنُهُ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ لِنَفْسِهِ أَبَاً أَو أُمَّاً.

فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ اسْمَ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ وَظَلَّ يُعْرَفُ بِذَلِكَ مَا امْتَدَّتْ بِهِ الحَيَاةُ.

ثالثاً: لَقَدْ آخَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ، جَاءَ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: وَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ.

رابعاً: لَقَدْ كَانَ سَالِمٌ رَجُلَاً حَسَنَ الصَّوْتِ بِشَهَادَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَبْطَأْتُ لَيْلَةً عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعِشَاءِ ثُمَّ جِئْتُ، فَقَالَ لِي: «أَيْنَ كُنْتِ؟».

قُلْتُ: كُنَّا نَسْمَعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِكَ فِي المَسْجِدِ لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَ صَوْتِهِ، وَلَا قِرَاءَةً مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ.

فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى اسْتَمَعَ إِلَيْهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «هَذَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَ هَذَا».

خامساً: لَقَدْ كَانَ سَالِمٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ أَوْصَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمُ القُرْآنُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَقَدْ عَرَفَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِسَالِمٍ فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ في حِفْظِهِ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِتْقَانِهِ لَهُ، وَتَدَبُّرِهِ لِمَعَانِيهِ، وَإِدْرَاكِهِ لِمَرَامِيهِ.

فَلَمَّا هَاجَرَ المُسْلِمُونَ مِنْ مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ، دَعَوْا سَالِمَاً لِيَؤُمَّهُمْ في الصَّلَاةِ؛ فَمَا زَالَ يُصَلِّي بِهِمْ حَتَّى قَدِمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَطَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ جِلَّةِ الصَّحَابَةِ.

روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ.

سادساً: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَتَمَنَّى لَوْ أَنْ سَيِّدَنَا سَالِمَاً عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ لَجَعَلَ أَمْرَ الخِلَافَةِ إِلَيْهِ.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ مُسْتَنِدَاً إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِنْدَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنِّي لَمْ أَقُلْ فِي الْكَلَالَةِ شَيْئَاً، وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِي أَحَدَاً، وَأَنَّهُ مَنْ أَدْرَكَ وَفَاتِي مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَشَرْتَ بِرَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، لَائتَمَنَكَ النَّاسُ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَائْتَمَنَهُ النَّاسُ.

فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصَاً سَيِّئَاً، وَإِنِّي جَاعِلٌ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلاءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ الَّذِينَ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ.

ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: لَوْ أَدْرَكَنِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ، ثُمَّ جَعَلْتُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَيْهِ لَوَثِقْتُ بِهِ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلُمُّوا لِأَنْ نَكُونَ مَعَ اللهِ تعالى، وَمَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَلُمُّوا لِنُقَدِّمَ الخَيْرَ لِأُمَّتِنَا هَذِهِ المَجْرُوحَةِ المَكْلُومَةِ التي فَقَدَتْ عِزَّهَا، هَلُمُّوا لِأَنْ نَصْطَلِحَ مَعَ اللهِ تعالى، هَلُمُّوا لِأَنْ نَجْعَلَ لِأَنْفُسِنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا لِسَانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ، هَلُمُّوا لِأَنْ نَكُونَ صَالِحِينَ مُصْلِحِينَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ الإِنْسَانُ بَعْدَ مَوْتِهِ.

أَسْأَلُ اللهَ حُسْنَ الاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الخميس: 17/ جمادى الثانية /1440هـ، الموافق: 21/ شباط / 2019م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1380 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1380
13-02-2020 1915 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1915
23-01-2020 2548 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2548
16-01-2020 976 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 976
09-01-2020 1305 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1305
03-01-2020 1000 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1000

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411971132
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :