61ـ نحو أسرة مسلمة: كيف نفهم أحاديث الرحمة؟(2)

61ـ نحو أسرة مسلمة: كيف نفهم أحاديث الرحمة؟(2)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

خلاصة الدرس الماضي:

فقد انتهينا في الدرس الماضي بأنه يجب على الإنسان المسلم أن يفهم الفهم الصحيح للقرآن العظيم، وأن يفهم الفهم الصحيح لحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد يقع الواحد منا في التناقض.

لذلك رأينا الحقَّ جلَّ جلاله يوجِّهنا لأن نسأل العلماء إذا كنا لا نعلم العلم الصحيح، قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}. فأمثالنا لا يستطيع أن يأخذ الأحكام من القرآن مباشرة ولا من السنة، إلا إذا كان يبني فهمه على أساس من العلم الصحيح، وإلا وقعنا في التناقض بسبب الفهم القاصر.

مثلاً يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}. فيأتي واحد ويقول: أنا سوف آكل الربا ضعفاً واحداً بناء على ما فهم من الآية.

فهل هذا الفهم صحيح؟ قطعاً لا، لأن الربا صار محرَّماً بكلِّ صوره.

مثال آخر يقول الله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيم}. فيأتي واحد فيقول: هي لا تريد التحصُّن فلا حرج من إكراهها على البغاء. فهل هذا فهمٌ صحيح؟ الجواب: قطعاً لا. لأن الزنا محرَّم بسائر الأحوال.

فهم أحاديث الرحمة بالشكل الصحيح:

لذلك وجب علينا أن نفهم أحاديث الرحمة والآيات الكريمة التي تتحدث عن الرحمة فهماً صحيحاً، وإلا فقد يفاجأ الإنسان يوم القيامة بما لا يسره لا قدَّر الله تعالى.

وعرفنا في الدرس الماضي معنى قول الله عز وجل في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

فأنا أظنُّ وأعلم بأن الله يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويستجيب الدعاء، ولكن أتوِّج هذا بالعلم الصحيح، فالله يغفر لمن استغفر، ويتوب عمَّن تاب، ويستجيب لمن دعاه.

أما إذا كان العبد مُصرّاً على ذنبه ولم يستغفر الله عز وجل، ولم يتب إلى الله تعالى ثم يقول: أنا أُحسِن الظن بالله تعالى لأن الله تعالى يغفر ذنبي ويتوب عليَّ.

هذا العبد فهمه سقيم، وبنى فهمه على أساس من الجهل.

نعم نقول لهذا العبد: إن الله يغفر ويتوب ويستجيب ولكن لمن استغفره ولمن تاب إليه ولمن دعاه، لأن الله تعالى يقول حكاية عن سيدنا نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}. استغفر وتيقَّنْ بعد ذلك بأنه غفَّار.

ويقول الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيما}. أما إذا لم يتب إلى الله تعالى فيقول الله فيه: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}. لأن هذا العبد مصرٌّ على الذنب حتى جاءه الموت، والله تعالى يصف عباده المتقين بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون}.

ويقول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}. فالله يستجيب لمن دعاه.

الله تعالى لا يغفر للعبد المستكبر حتى يتوب إليه:

فالله تعالى يغفر لمن استغفره، أما إذا كان مصرّاً ومعانداً فالله تعالى لا يغفر له حتى ولو استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله في حقِّ المنافقين والمصرِّين على نفاقهم: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين}. وقال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

لله تعالى مائة رحمة:

وهناك حديث آخر يرويه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

أحدُنا يسمع هذا الحديث الشريف وأمثاله فيطمئن إلى رحمة الله تعالى، وهذا شيء حسن، لأنه في الحقيقة رحمةُ الله تعالى واسعة، ولا يمكن أن يتصوَّرها العبد، كما جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ).

رحمةُ الله تعالى لا يمكن لأحد أن يتصوَّرها، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا). أنزل رحمة واحدة على الدنيا، وانظر إلى آثارها بين عالم الجن وعالم الإنس وكذلك البهائم والهوامِّ، فبهذه الرحمة يعطف بعضهم على بعض، وهذه الرحمة شملت الجميع، مؤمنَهم وكافرَهم، طائعَهم وعاصيَهم، بدون استثناء.

تصوَّرْ هذه رحمةٌ واحدة تراحم بها الخلائق، وأُخِّرت تسع وتسعون رحمة ليوم القيامة، فبنظرة سطحية قد يظنُّ بعض الناس بأن الجميع صاروا ناجين يوم القيامة.

كما قلت أيها الإخوة: يجب علينا أن نفهم الفهم الصحيح لكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون علمنا صحيحاً. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). انتبه على كلمة (عِبَاده)، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (عبيده)، بل قال: (عِبَاده) الكل عبيد، ولكن ليس كل عبد عابد، نعم كل عابد عبد، ولا عكس.

فالرحمة للعباد يوم القيامة، وليست للعبيد بشكل عام، وكلمة (عِبَاد) عندما تأتي في القرآن الكريم تأتي في مقام المدح والثناء، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا}. وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَاد * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب}. وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}. فهؤلاء عباد، وكلمة عباد مأخوذة من كلمة عابد.

فرحمة الله تعالى في الآخرة للعباد الذين مارسوا العبودية في الحياة الدنيا، وإلا فيستوي الطائع والعاصي، والمؤمن والكافر يوم القيامة، وهذا ليس بصحيح لأن الله تعالى يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون}.

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}:

ومما يؤكد هذا القول قولُه تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. طبعاً هذه الآية كذلك فهمها البعض فهماً غير صحيح، لأنه يقرأ جزءاً منها ولا يتمِّمها، يقرأ فقط قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. ويقول هو شيء، لأن الله تعالى يقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}. فهو شيء، فإذن رحمة الله تعالى تناله، لأن الله أصدق القائلين يقول: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}.

لطيفة لبعض العارفين بالله تعالى:

أيها الإخوة: يُذكر بأن بعض العارفين تمثَّل له الشيطان ـ والجن أعطاهم الله تعالى القدرة على التشكُّل ـ وقال له: يا سيدي ألم يقل الله عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. قال له: نعم. قال له: وأنا شيء. قال له: نعم. قال: إذن ستنالني رحمة الله تعالى يوم القيامة. فقال له: يا لعين أتمم الآية: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ }.

رحمة الله تعالى لمن يوم القيامة؟

هذه الرحمة التي أُخرت ليوم القيامة هي للمؤمنين، بدليل قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ }.

فإذا كانت رحمةٌ واحدة نزلت إلى الدنيا تراحم بها المخلوقات، فجدير بالإنسان المؤمن أن يكون حريصاً على رحمة الله المدَّخرة لعباده المؤمنين ليوم القيامة، ودليل الحرص عليها أن يتحقق في الحريص عليها أربعة أمور:

الأمر الأول: التقوى:

قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}. وأهل التقوى هم الذين يأتون بالمأمورات ويتركون المحظورات، وهذا لا يعني أنهم لا يعصون الله أبداً، وأنهم معصومون، يقول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه.

أهل التقوى هم الذين لا يصرُّون على معصية، كما قال تعالى في وصفهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون}.

الأمر الثاني: إيتاء الزكاة:

قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ}. أهل الزكاة هم الذين تنالهم رحمة الله يوم القيامة إن شاء الله تعالى، وذلك بسبب رحمتهم للفقراء والمساكين وأصحاب الحاجة، فالراحمون يرحمهم الرحمن، وأهل الزكاة هم أهل الرحمة، ولا تُنزع الرحمة إلا من شقي، ومانع الزكاة من الأشقياء لأن الرحمة نُزعت من قلبه، ومن لا يَرحم لا يُرحم.

الأمر الثالث: الإيمان بآيات الله:

قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون}. والإيمان بآيات الله أن يؤمن العبد بأن الحلال ما أحلَّ الله، والحرام ما حرَّم الله، الإيمان بآيات الأحكام خاصة، لأن مَنْ فَعَلَ المأمورات من غير إيمان بأنها طاعات لله لا يسمى طائعاً، ومَنْ تَرَكَ المعاصي من غير إيمان بأنها معاصي لا يسمى طائعاً.

هناك كثير من الناس من يترك بعض المحظورات ليس انطلاقاً من الإيمان بأنها معاصي، إنما يتركها لأن شهامته تمنعه من ذلك، أو لأن رجولته وسُمعته تمنعه من ذلك، هذا لا يسمى طائعاً لله عز وجل.

على سبيل المثال: الصدق وقول الصدق طاعة، وترك الكذب طاعة لله عز وجل، فمن صدق وترك الكذب من غير إيمان بأنَّ هذا من آيات الله لا يسمى طائعاً، فهذا سيدنا أبو سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه عندما التقى مع هرقل، وسأله عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال: (فَوَاللَّهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ) رواه البخاري ومسلم. فهو قال الحق في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن ما صدق بناء على أساس من الإيمان بهذا الحكم، إنما عروبته وشخصيته أبت عليه ذلك، لذلك لا يسمى طائعاً لله عز وجل لأنه صدق، وقس على ذلك سائر المأمورات والمحظورات، فلا بُدَّ أولاً من الإيمان بأنَّ الحلال ما أحلَّ الله، وأنَّ الحرام ما حرَّم الله تعالى، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون}.

فمن آمن بآيات الأحكام ولم يُحلَّ ما حرَّم الله تعالى هذا تناله رحمة الله تعالى إن شاء الله تعالى يوم القيامة.

الأمر الرابع: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم:

قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ }. فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا سبب من أسباب نيل رحمة الله يوم القيامة، والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم في الفرائض وترك المحظورات هذا فرض على كل مؤمن، وأما ما عدا ذلك من اتباع السنن فعلى قدر الاستطاعة، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ) رواه البخاري ومسلم ـ واللفظ له ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه.

إذاً فهمُ الحديثِ ـ حديثِ الرحمة المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ـ ينبغي أن يكون مبنيّاً على أساس من العلم الصحيح، وإلا فقد يُفاجأ العبد يوم القيامة، فرحمة الله تعالى المدَّخرة ليوم القيامة هي حصراً لأهل الإيمان والعمل الصالح الذين حقَّقوا الشروط الأربعة المشار إليها في الآية الكريمة: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ }، والله تعالى أعلم.

(لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)

أما الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحَلَّبَ ثَدْيُهَا تَسْعى، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ»؟ قُلْنَا: لا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا»). فيجب علينا أن نفهمه الفهم الصحيح.

هذا الطفل الذي لا تطرحه أمه في النار مِنْ وصفه أن لا يلتفت لغير أمه مهما قست عليه ومهما ضربته ومهما تألَّم من ضربها وهجرها، وإذا بكى بسبب ضرب أمه وهجرها له فإنه لا يسكن قلبه إلا في حجر أمه.

هذا ولله المثل الأعلى، العبد إذا كان مع الله تعالى كحالِ هذا الطفل مع أمه، فإنَّ الله تعالى يرحم هذا العبد ولا يطرحه في نار جهنم، والله تعالى أرحم من هذه على وليدها.

فهل حال العبد مع الله كحال هذا الطفل مع أمه؟ هل إذا ابتلى الله عبدَه ببعض المصائب يُعرِض عن الله أم يُقبِل على الله تعالى؟ لأن ربنا عز وجل قال لنا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}. فهل إذا ابتُلِينا نلتفت لغير الله؟ هل إذا ابتُلِينا نلتفت لما حرَّم الله علينا؟

ربُّنا عز وجل يقول: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين}. هل إذا جاءت فتنة من عند الله اختباراً لنا نُعرِض عن الله أم نزداد إقبالاً على الله تعالى؟

خذوا على سبيل المثال سيدنا كعب بن مالك رضي الله عنه، الذي نزل فيه قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}. عندما هجره النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك، وأمر أصحابه أن يهجروه، حتى زوجته، هل أعرض عن الله؟ مع أنه كان صادقاً في قوله لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله عن سبب تخلُّفه، فقال له سيدنا كعب رضي الله عنه: (إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لا وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ). صدق معه، ومع ذلك هجره، مع شدة هذا الابتلاء جاءه كتاب من بعض النصارى يقول له فيه: (قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ). سَجَّر الكتاب في التنور، وخرَّ ساجداً لله تعالى داعياً، حتى جاءه الفرج بقوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}. [القصة بطولها رواها البخاري ومسلم].

فإذا كان العبد مع الله تعالى كهذا الطفل مع أمه فإنَّ الله أرحم به من هذه على وليدها.

ولكنَّ حال البعض اليوم إذا ضيَّق عليه ربُّنا في الرزق التفت إلى الربا، إذا ضُيِّقَ على عبد ونزل به بلاء أعرض عن أوامر الله، حال البعض اليوم إذا جاء الرخاء والسعة طغى، كما قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}. وإذا ضُيِّق عليه فإذا به يؤوس، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُور}.

فالعبد الذي يطغى في العطاء، وييئس في الابتلاء هو في الحالين مُعْرِضٌ عن الله عز وجل، وحاله ليس كحال الطفل مع أمه.

فرحمة الله عز وجل المدَّخرة يوم القيامة لمن شكر في الرخاء ولمن صبر على الابتلاء ولم يلتفت لغير الله تعالى. والله تعالى أعلم.

أسأل الله تعالى لي ولكم رحمة عامة شاملة ولأصولنا وفروعنا وأزواجنا. آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2009-10-14
 3055
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4044 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4044
21-01-2018 4874 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 4874
14-01-2018 3492 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3492
08-01-2018 4087 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4087
31-12-2017 4099 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4099
24-12-2017 3877 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 3877

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411977543
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :