316ـ خطبة الجمعة: اسمعي يا أمة سيدنا محمد    (2)

316ـ خطبة الجمعة: اسمعي يا أمة سيدنا محمد    (2)

 

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

لقد أعظمَ اللهُ تعالى المِنَّةَ، وأتمَّ النِّعمةَ على هذهِ الأمَّةِ بِبِعثةِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي أرسَلَهُ اللهُ تعالى رحمةً للعالمينَ.

بالحبيبِ الأعظمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أخرَجَهُم من الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، بالحبيبِ الأعظمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَقَلَهُم من الضَّلالِ إلى الهُدى، بالحبيبِ الأعظمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَمَعَهُم بعدَ شَتاتٍ، بالحبيبِ الأعظمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أغناهُم بعدَ فَقرٍ، بالحبيبِ الأعظمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُم على بصيرةٍ من أمرِهِم، بالحبيبِ الأعظمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أبدَلَهُم بعدَ خوفِهِم أمناً، بالحبيبِ الأعظمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ أعيُناً عُمياً، وآذاناً صُمَّاً، وقُلوباً غُلفاً.

مكانَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عندَ ربِّهِ عزَّ وجلَّ:

أيُّها الإخوة الكرام: من مَكانةِ الحبيبِ الأعظمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عندَ ربِّهِ عزَّ وجلَّ، أنْ جَعَلَ مَحبَّتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَقرونةً بِمَحبَّتِهِ تعالى، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين﴾.

وجَعَلَ طاعَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنوطةً بطاعَتِهِ تعالى، قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾.

وجَعَلَ ذِكرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَقروناً بِذِكرِهِ تعالى، قال تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك﴾.

وَجَعَلَ بَيعَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَقرونةً بِبَيعَتِهِ تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: بل بلَغَت منزلةُ الحبيبِ الأعظمِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عندَ ربِّهِ أنْ حذَّرَ الأمَّةَ من عِصيانِهِ ومُخالفةِ أمرِهِ، قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾. وقال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾. وقال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

دَعوةٌ من الله تعالى لِطاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد دَعا اللهُ تعالى الأمَّةَ إلى طاعَتِهِ إذا كانت حريصةً أن تَحيا حياةً طَيِّبَةً كريمةً، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾. فهل بِوُسعِ هذهِ الأمَّةِ من قَضِّها إلى قَضيضِها أن تقِفَ موقفَ الإنسانِ المنصِفِ مع نفسِهِ، وتجعلَ أهواءَها تحتَ أقدامِها، وتقولُ لأمرِ الله تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ﴾. لبَّيكَ اللَّهُمَّ وسَعدَيكَ؟

هل بإمكانِ هذهِ الأمَّةِ التي تعيشُ هذهِ الأزمةَ التي أبكت القلبَ دَماً بعدَ أن أبكت العينَ دَمعاً، وأفرَحَتِ العدوَّ وأحزنتِ المحبَّ الصَّادِقَ، أن تقولَ لأمرِ الله تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ﴾. سَمِعنا وأطَعنا؟ أم ستقولُ ـ لا قدَّرَ اللهُ تعالى ـ سَمِعنا وعَصَينا؟

اِسمعي يا أمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اِسمعي كلامَ الصَّادِقِ المصدوقِ وأنتِ تعيشينَ هذهِ الأزمةَ، اِسمعي كلامَ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي لا يَشُكُّ فيه مُؤمنٌ، ولا يستطيعُ أن يتَّهِمَهُ أحَدٌ، لأنَّ من شكَّ أو اتَّهَمَ فإنَّهُ يخرُجُ من دائرةِ الإيمانِ.

اِسمعي يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فهوَ ليسَ بكلامِ عالمٍ من العلماءِ، وليسَ بكلامِ فقيهٍ من الفقهاءِ، بل هوَ كلامُ الذي لا ينطِقُ عن الهوى إنْ هوَ إلا وحيٌ يُوحى:

أولاً: روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً». إنْ كانَ البعضُ يتَّهِمُ بعضَ العُلماءِ والفقهاءِ، فهل يُتَّهَمُ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

ثانياً: اِسمعي يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى ما رواهُ ابنُ ماجه عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ».

ثالثاً: اِسمعي يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يا من تقولينَ صباحَاً ومساءً: رضيتُ بالله تعالى ربَّاً، وبالإسلامِ دِيناً، وبسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نبيَّاً ورسولاً، اِسمعي ما يقولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ الله».

رابعاً: اِسمعي يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ماذا يقولُ نبيُّكُم، روى الترمذي عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللهُ فِي النَّارِ».

خامساً: اِسمعي يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما يقولُ حبيبُكُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: روى الإمام أحمد عن مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا الرَّجُلَ يَمُوتُ كَافِراً، أَو الرَّجُلَ يَقْتُلُ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً».

سادساً: اِسمعي يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى ما رواهُ الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّهُ سَأَلَهُ سَائِلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، هَلْ لِلْقَاتِلِ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَالْمُتَعَجِّبِ مِنْ شَأْنِهِ: مَاذَا تَقُولُ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا تَقُولُ؟ ـ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً ـ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ؟ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقاً رَأْسَهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، مُتَلَبِّباً قَاتِلَهُ بِيَدِهِ الأُخْرَى يَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَماً، حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْعَرْشَ، فَيَقُولُ الْمَقْتُولُ لله: رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وُيَذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ».

واللهُ تعالى يقولُ: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾.

يا أيُّها الإخوة الكرام: أُناشِدُكُمُ اللهَ تعالى أن تجعَلوا أهواءَكُم تحتَ أقدامِكُم، وأن تجعَلوا حُظوظَكُمُ الدُّنيويَّةَ تحتَ أقدامِكُم،وتذكَّروا بأنَّ الموتَ يعُمُّنا، وأنَّ القبرَ يضُمُّنا، وأنَّ القيامةَ تجمعُنا، واللهُ تعالى يفصِلُ بيننا.

سابعاً: اِسمعي يا أمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى ما رواهُ الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ نَبِيِّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَتَكَلَّمُ يَقُولُ: وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلَاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ، وَبِمَنْ جَعَلَ مَعَ الله إِلَهاً آخَرَ، وَبِمَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ، فَيَقْذِفُهُمْ فِي غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ».

يا أيُّها الجبَّارُ العنيدُ، يا قاتلَ الأبرياءِ، يا سافكَ الدِّماءِ، هل تُطيقُ غَمَراتِ جهنَّم؟ هل تُطيقُ ناراً وَقودُها النَّاسُ والحجارةُ؟ هل تُطيقُ ناراً لا يموتُ فيها داخِلُها ولا يحيا؟ هل تُطيقُ ناراً كلَّما نَضِجَت جُلودُ أصحابِها بُدِّلوا جُلوداً غيرَها؟

ثامناً: اِسمع يا من يقولُ: أشهدُ أن لاإله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسولُ الله، إلى ما رواهُ الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً».

تاسعاً: اِسمع يا من آمَنَ بأنَّ اللهَ تعالى حقٌّ، وأنَّ سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حقٌّ، وأنَّ الجنَّةَ والنَّارَ حقٌّ، وأنَّ الحسابَ حقٌّ، إلى ما رواهُ الإمام البخاري عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قال: بَعَثَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذاً، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

وهل تدرونَ من هوَ أسامةُ؟ إنَّهُ الحِبُّ بنُ الحِبِّ، إنَّهُ أسامةُ بنُ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

خاتمةٌ نسألُ اللهَ تعالى حُسنها:

يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ماذا سنقولُ لِرَبِّنا عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ؟ الذي يقولُ: لا إله إلا اللهُ، يقتُلُ الذي يقولُ: لا إله إلا الله!.

أيُّها الإخوة الكرام: أعمالُنا تُعرَضُ على سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فهل هذا القتلُ، وسفكُ الدِّماءِ، وترميلُ النِّساءِ، وتيتيمُ الأطفالِ، وتهديمُ البُيوتِ، يُرضي رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

يا عباد الله، أليسَ في الأمَّةِ رجلٌ رشيدٌ؟ طُوبى لعبدٍ كانَ مِفتاحاً للخيرِ مِغلاقاً للشَّرِّ، وبئسَ العبدُ عبدٌ كانَ مِفتاحاً لارتِكابِ أعظمِ الموبقاتِ بعدَ الشِّركِ، كانَ مِفتاحاً لقتلِ الأبرياءِ.

اللَّهُمَّ إنَّا نُشهِدُكَ ونُشهِدُ ملائكَتَكَ، ومن حَضَرَ من المسلمينَ، وجميعَ خلقِكَ، أنَّا لا نرضى بما يجري على أرضِ بلدِنا الحبيبِ، ونبرأُ إليكَ من سفكِ الدِّماءِ البريئةِ، ومن هذهِ الفِتنةِ العَمياءِ التي أكَلَتِ الأخضرَ واليابسَ.

يا ربَّنا، نتوسَّلُ إليكَ ونحنُ في شهرِ الرَّبيعِ الذي أكرمتَ الأمَّةَ بهذا الحبيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أن تُخرِجَها من الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، وأن ترُدَّنا إلى دِينِنا ردَّاً جميلاً، وأن تَلِدَ الأمَّةُ مِيلاداً جديداً لِنَصطلِحَ مع الله تعالى.

اللَّهُمَّ لا تُشَمِّت أعداءَنا بدائنا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 12/ربيع الثاني/1434هـ، الموافق: 22/شباط / 2013م

 2013-02-22
 7844
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

28-03-2024 28 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 28
21-03-2024 625 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 625
14-03-2024 963 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 963
08-03-2024 861 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 861
09-02-2024 2556 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2556
02-02-2024 2256 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2256

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411984695
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :