أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6176 - الكذب على الزوجة

26-02-2014 15984 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح بأنه يجوز للرجل أن يكذب على زوجته، وقد يستدل على ذلك بحديث عن سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6176
 2014-02-26

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: مِمَّا لا شَكَّ فيه بأنَّ الكَذِبَ من أقبَحِ الخِصالِ الذَّميمَةِ، وهوَ كَبيرَةٌ من الكَبائِرِ، وقد حَذَّرَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ منهُ، وذلكَ بالحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله صِدِّيقاً، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً».

وقد جَعَلَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الكَذِبَ عُنواناً على النِّفاقِ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ثانياً: أجازَ الشَّرعُ في بَعضِ الحَالاتِ والمَواطِنِ الكَذِبَ الذي فيهِ إصلاحٌ بَينَ النَّاسِ، روى الشيخان عن أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: سَمِعتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً».

وروى الإمام مسلم عن ابْن شِهَابٍ قال: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ، الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا.

ثالثاً: ذَكَرَ الفُقَهاءُ وأهلُ العِلمِ فيما يَتَعَلَّقُ في كَذِبِ الرَّجُلِ على امرَأَتِهِ، وكَذِبِ المَرأَةِ على زَوجِها، بأنَّهُ مُقَيَّدٌ فيما يَتَعَلَّقُ بأمرِ المُعاشَرَةِ وحُصولِ الأُلفَةِ بَينَهُما.

يَقولُ الإمامُ الحَافِظُ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تعالى: واتَّفَقوا على أنَّ المُرادَ بالكَذِبِ في حَقِّ المَرأَةِ والرَّجُلِ إنَّما هوَ فيما لا يُسقِطُ حَقَّاً عَلَيهِ أو عَلَيهَا أو أَخذِ ما لَيسَ لَهُ أو لَها.

ويَقولُ الإمامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَأَمَّا كَذِبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبُهَا لَهُ فَالْمُرَاد بِهِ فِي إِظْهَارِ الْوُدِّ وَالْوَعْدِ بِمَا لَا يَلْزَمُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُخَادَعَةُ فِي مَنْعِ مَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ أَخْذِ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

وبناء على ذلك:

فإذا أجازَ الشَّرْعُ الشَّريفُ الكَذِبَ للإصلاحِ بَينَ النَّاسِ بِشَرطِ عَدَمِ ضَياعِ الحُقوقِ، فالكَذِبُ بَينَ الزَّوجَينِ لإصلاحِ الحَياةِ الزَّوجِيَّةِ بَينَهُما من بابِ أَولَى.

يَقولُ سَيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ لامرَأَةٍ: إِذَا كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ لَا تُحِبُّ الرَّجُلَ مِنَّا فَلَا تُخْبِرْهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ أَقَلَّ الْبُيُوتِ مَا يُبْنَى عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَإِنَّمَا النَّاسُ يَتَعَاشَرُونَ بِالْحَسَبِ وَالْإِسْلَامِ.

فالكَذِبُ بَينَ الزَّوجَينِ لِدَيمومَةِ المَوَدَّةِ والمَحَبَّةِ لا حَرَجَ فيهِ، ولكن لا يَجوزُ فيما يَتَعَلَّقُ بالحُقوقِ الوَاجِبَةِ المُتَرَتِّبَةِ على كُلٍّ مِنهُما. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
15984 مشاهدة