أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5233 - هل يشعر الميت بمن يزوره؟

02-06-2012 46274 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح بأنَّ الميت يشعر بمن يزوره؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5233
 2012-06-02

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: فقد ثَبَتَ بأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كان يأمرُ أصحابَهُ إذا خَرَجُوا إلى المقابرِ أن يُسلِّموا على أهلِ المقبرةِ، روى الإمام مسلم عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى المَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ ـ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ ـ: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ، وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ).

وهذا ما كان يَفعلُهُ سيِّدُنا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أَنَّهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى البَقِيعِ، فَيَقُولُ: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، غَداً مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ»).

معنى: أَتَاكُم مَا تُوعَدونَ: أي من الثَّوابِ والنَّعيمِ.

معنى: غداً مُؤَجَّلُونَ: أي مُؤَجَّلونَ لاستيفاءِ تمامِ ثوابِكُم وأجورِكُم عند اللهِ تعالى.

يقولُ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله تعالى: وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الخِطَابُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ المَعْدُومِ وَالجَمَادِ، وَالسَّلَفُ مُجْمِعُونَ عَلَى هَذَا، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الآثَارُ بِأَنَّ المَيِّتَ يَعْرِفُ زِيَارَةَ الحَيِّ لَهُ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِ. اهـ.

وَجَاءَ فِي فَتَاوَى العِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ رحمه الله تعالى: وَالظَّاهِرُ أَنَّ المَيِّتَ يَعْرِفُ الزَّائِرَ، لأَنَّا أُمِرْنَا بِالسَّلامِ عَلَيْهِمْ، وَالشَّرْعُ لا يَأْمُرُ بِخِطَابِ مَنْ لا يَسْمَعُ. اهـ.

أخرج الخطيب وابن عساكر وابن النجار وابن عبد البر عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قال: «مَا مِنْ أَحَدٍ مَرَّ بِقَبْرِ أَخِيهِ المُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ».

 ثانياً: روى الإمام مسلم عَن ابْنِ شِمَاسَةَ المَهْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: (حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ المَوْتِ فقال: فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنَّاً، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي).

وهذ يدُلُّ على أنَّ الميتَ يَشعُرُ بالحاضرينَ عندَهُ، ويستأنِسُ بهم.

ثالثاً: جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلاثاً، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ: «يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَّاً؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقَّاً، فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَسْمَعُوا؟ وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا».

وفي هذا دليلٌ على أنَّ الأمواتَ يتأثَّرونَ بالتَّعنيفِ والتَّوبيخِ الذي يَوَجَّهُ إليهم من قِبَلِ الأحياءِ، إذا كانوا مُقصِّرينَ أو مُسيئينَ.

وبناء على ذلك:

 فإنَّ الميتَ يتأثَّرُ ويشعرُ بمن يزورُهُ، وكيف لا يشعرُ بمن زارَهُ، وقد ثَبَتَ بأنَّهُ يسمعُ قرعَ نِعالِ المشَيِّعين؟ كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ». هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
46274 مشاهدة