325ـ خطبة الجمعة: لا تقربوا الفتنة إذا حميت

325ـ خطبة الجمعة: لا تقربوا الفتنة إذا حميت

 

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: الإنسانُ في الحياةِ الدُّنيا إمَّا أن يَتَقلَّبَ في نِعمةٍ ـ وهذا هوَ الغالِبُ الأعَمُّ ـ وإمَّا أن يَتَقلَّبَ في نِقمةٍ وابتِلاءٍ ـ وهذا هوَ العارِضُ ـ فإن كانَ في نِعمةٍ وَجَبَ عليه الشُّكرُ، وإن كانَ في نِقمةٍ وَجَبَ عليه الصَّبرُ، والشُّكرُ والصَّبرُ من العِباداتِ التي كُلِّفَ بها العبدُ، وما خُلِقَ العبدُ إلا للعِبادةِ، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُون﴾. فإن تَحَقَّقَ بالشُّكرِ والصَّبرِ تَحَقَّقَ بالعُبُودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ.

اِصبِر امتِثالاً لأمرِ ربِّكَ وأمرِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإِنسانُ المؤمنُ، يا مَن يَعيشُ هذهِ الأيَّامَ العَصيبَةَ، أيَّامَ التَّميِيزِ، ﴿ما كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾: اِصبِر حتَّى يَظهَرَ صِدقُ إيمانِكَ باللهِ تعالى، ولا تَنسَ قولَهُ تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين﴾.

أيُّها الإنسانُ المؤمنُ الصًّابِرُ: اِصبِر، واجعَل صَبرَكَ امتِثالاً لأمرِ ربِّكَ عزَّ وجلَّ القائِلِ الآمِرِ في كِتابِهِ العظيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾. والقائِلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين﴾. والقائِلِ: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بالله﴾.

 أيُّها الإنسانُ المؤمنُ الصًّابِرُ: اِصبِر، واجعَل صَبرَكَ امتِثالاً لأمرِ رسولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلِ: «وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

اِصبِر لأنَّ سَيِّدَنَا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقولُ لسيِّدِنا عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اخْتِلَافٌ أَوْ أَمْرٌ، فَإِن اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ السِّلْمَ فَافْعَلْ» يعني: الصَّابرَ المسالِمَ. رواه الإمام أحمد.

يا أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: اِصبِر امتِثَالاً لأمرِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِل: «لا تَقرَبوا الفِتنَةَ إذا حَمِيَت، ولا تَعَرَّضُوا لها إذا عُرِضَت، واصبِروا لها ـ وفي رواية: واضرِبوا أَهلَهَا ـ إذا أقبَلَت» رواه الطبراني عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وفي رواية للمروزي عن ابن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الفِتنَةَ إذا أقبَلَت شَبَّهَت، وإذا أدبَرَت أسفَرَت، وإنَّ الفِتنَةَ تُلقَحُ بالنَّجوى، وتُنتَجُ بالشَّكوى، فلا تُثيروا الفِتنَةَ إذا حَمِيَت، ولا تَعَرَّضُوا لها إذا عُرِضَت، إنَّ الفِتنَةَ راتِعَةٌ في بلادِ الله تَطَأُ في خِطامِها، لا يَحِلُّ لأحَدٍ من البَرِيَّةِ أن يُوقِظَها حتَّى يَأذَنَ اللهُ تعالى، لها الويلُ لمن أخَذَ بِخِطامِها، ثمَّ الويلُ له».

يا أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: اِصبِر امتِثالاً لأمرِ رسولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» رواه الإمام البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

يا أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: اِصبِر امتِثالاً لأمرِ رسولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ   القائِلِ لسيِّدِنا عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عندما سألَهُ عن الإيمان: قَالَ: «الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ» رواه الإمام أحمد.

ويقولُ سيِّدُنا عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: (واعلَمُوا أنَّ مَنزِلَةَ الصَّبرِ من الإيمانِ كَمَنزِلَةِ الرَّأسِ من الجَسَدِ، فإذا ذَهَبَ الرَّأسُ ذَهَبَ الجَسَدُ، وإذا ذَهَبَ الصَّبرُ ذَهَبَ الإيمانُ) رواه ابن أبي شيبة.

يا أمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يا أمَّةَ الصَّبرِ والمُصابَرَةِ، كونوا حَريصينَ على إيمانِكُم في المِحنَةِ من أن تَتَزَعزَعَ، ولا تَنسَوا قولَ الله تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين﴾.

اِجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ:

يا أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: قد تسألُ كيفَ أستطيعُ الصَّبرَ؟ وعلى أيِّ أساسٍ يكونُ هذا الصَّبرُ؟

أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: اِصبِر على ما أصابَكَ، فإنَّ ذلكَ من عَزمِ الأمورِ، اِصبِر واجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ الذي وُعِدتَ به من قِبَلِ مَولاكَ الذي لا يُخلِفُ المِيعادَ، لا بأملٍ وَعَدَكَ به شرقٌ أو غربٌ، لا بأملٍ وَعَدَكَ به زَيدٌ أو عمرو من النَّاسِ الخطَّائينَ، اِجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ الذي وَعَدَكَ اللهُ إيَّاهُ وهوَ لا يُخلِفُ الميعادَ.

أولاً: العاقِبَةُ لك:

اِجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ من خلالِ قولِهِ تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِين﴾. فالعاقِبَةُ لكَ أيُّها الصَّابِرُ إن كُنتَ تَقِيَّاً، أما يُرضيكَ أن تكونَ العاقِبَةُ لك؟

ثانياً: اللهُ تعالى معكَ:

اِجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ الذي وَعَدَ به عِبادَهُ الصَّابرينَ بقولِهِ تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين﴾. أما يُرضيكَ أيُّها الصَّابِرُ أن يكونَ اللهُ معَكَ؟ ومن كانَ اللهُ معَهُ فلن يُغلَبَ، ولن يُقهَرَ، لأنَّ اللهَ تعالى غالِبٌ وليسَ بِمَغلوبٍ، ولأنَّ اللهَ تعالى قاهِرٌ وليسَ بِمَقهورٍ، اِصبِر وعِشْ بهذا الأملِ الذي وَعَدَكَ اللهُ إيَّاهُ.

ثالثاً: الحُكمُ لكَ:

اِجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ الذي وَعَدَكَ اللهُ إيَّاهُ من خلالِ قولِهِ تعالى: ﴿وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين﴾. إن صَبَرتَ وضَبَطتَ نفسَكَ وعواطِفَكَ ومَشاعِرَكَ وعَقلَكَ بِضَوابِطِ الشَّريعةِ، وانقلَبتَ إلى الله تعالى يومَ القيامةِ لِيَحكُمَ بينَكَ وبينَ خَصمِكَ فأنتَ الفائِزُ وربِّ الكعبَةِ إن كُنتَ مُؤمِناً صابِراً، وخَصمُكَ هوَ الخاسِرُ، أما يُرضيكَ أن يَحكُمَ اللهُ لك، وتكونَ في نتيجةِ الحُكمِ مع الذين أنعمَ اللهُ عليهِم؟

رابعاً: لك عُقبى الدَّار:

أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: اِصبِر واجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ من خلالِ قولِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرَّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار﴾. أما يُرضيكَ أن تكونَ لك عُقبى الدَّار حيثُ يجمَعُ اللهُ بينَكَ وبينَ أصولِكَ وفُروعِكَ وزوجِكَ فيها، وملائكَةُ الرَّحمَةِ يُسَلِّمونَ عليكُم.

خامساً: عليكَ مِن اللهِ الصَّلوات:

أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: اِصبِر واجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ من خلالِ قولِهِ تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون﴾. أما يُرضيكَ أن تُصَبَّ عليكَ الصَّلَواتُ والرَّحمَةُ والهِدايَةُ؟

أنتَ على وَعدٍ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: اِصبِر على ما أصابَكَ، فإنَّ ذلكَ من عَزمِ الأمورِ، اِصبِر، واجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ الذي وُعِدتَ بِهِ من قِبَلِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى.

أولاً: سَيلقاكَ على الحَوضِ:

أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: اِصبِر واجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ من خلالِ قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ. أما يُرضيكَ أن تلقى رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على الحَوضِ، وغيرُكَ يُذَادُ عن الحَوضِ؟ عِشْ بهذا الأملِ الذي وَعَدَكَ به الصَّادِقُ المَصدوقُ، الذي ما جَرَّبَت عليه البَشَرِيَّةُ إلا صِدقاً.

ثانياً: صَبرُكَ فيه خَيرٌ كثيرٌ:

أيُّها الإنسانُ المؤمنُ: اِصبِر واجعَل صَبرَكَ مَمزوجاً بالأمَلِ من خلالِ قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما. وصَدَقَ اللهُ تعالى القائِلُ: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾.

ومن خلالِ قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا عِبادَ الله، وَطِّنوا أنفُسَكُم على أنَّ كلَّ مُصيبَةٍ تأتي إنَّما هيَ بإذنِ الله تعالى وقَضائِهِ وقَدَرِهِ، لأنَّ الأمرَ له، وهوَ الذي كَتَبَ مَقادِيرَ الخلائِقِ قَبلَ أن يَخلُقَ السَّماواتِ والأراضينَ، قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِير﴾.

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: كونوا على حَذَرٍ من أن تَظُنُّوا بأنَّ مَشيئَةَ زَيدٍ أو عمرو هي النَّافِذَةُ، إنَّ المَشيئَةَ النَّافِذَةَ هي المَشيئَةُ العُليا، قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللهُ رَبُّ الْعَالَمِين﴾.

كونوا صابرينَ على ما أصابَكُم، وكونوا مُمتَثِلينَ أمرَ اللهِ عزَّ وجلَّ وأمرَ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لكم بالصَّبرِ، ولا تَنسَوا قولَ الله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً﴾.

اِصبِروا يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، واجعَلوا صَبرَكُم مَمزوجاً بالأمَلِ الذي وُعِدتُم به من قِبَلِ الله تعالى الذي لا يُخلِفُ الميعادَ، ومن قِبَلِ الصَّادِقِ المَصدوقِ الذي مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

واحذَروا من أن تكونوا فاشِلينَ في هذهِ المِحنَةِ بحيثُ لا يَصبِرُ أحَدُكُم على قَضاءِ الله وقَدَرِهِ، أو أن يكونَ ساخِطاً والعياذُ بالله تعالى.

أما يُرضيكَ يا أيُّها المُبتَلى أن تَصبِرَ كما صَبَرَ سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي هوَ سيِّدُ وَلَدِ آدمَ؟

اللَّهُمَّ اجعَلنا من الشَّاكرينَ عندَ الرَّخاءِ، ومن الصَّابرينَ عندَ البلاءِ، ومن الرَّاضينَ بِمُرِّ القَضاءِ. آمين.

أقولُ هَذا القَولَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/جمادى الثانية /1434هـ، الموافق:26/نيسان / 2013م

 

 2013-04-26
 7092
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

21-03-2024 602 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 602
14-03-2024 941 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 941
08-03-2024 859 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 859
09-02-2024 2553 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2553
02-02-2024 2248 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2248
25-01-2024 1483 مشاهدة
900ـ خطبة الجمعة: صورة من صور الحياء (2)

مَنْ فَقَدَ الحَيَاءَ فَقَدَ كُلَّ شَيْءٍ، وَصَارَ مُجَرَّدًا مِنْ كُلِّ خُلُقٍ نَبِيلٍ فَاضِلٍ، فَاقِدُ الحَيَاءِ مَمْقُوتٌ خَائِنٌ لَا رَحْمَةَ عِنْدَهُ، بَلْ في غَالِبِ الأَمْرِ الأَعَمِّ تَجِدُهُ مَلْعُونًا عَلَى أَلْسِنَةِ بَعْضِ الخَلْقِ، ... المزيد

 25-01-2024
 
 1483

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411958331
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :