أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6014 - الحكم بغير ما أنزل الله

20-11-2013 43633 مشاهدة
 السؤال :
يَقول الله تعالى في كتابه العظيم في سورة المائدة: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون}. وقال فيها: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}. وقال فيها: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون}. فما حكم من حكم بغير ما أنزل الله تعالى، وذلك من خلال هذه الآيات الكريمة؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6014
 2013-11-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: وَرَدَت آياتٌ في كِتابِ الله تعالى تَنفي الإيمانَ عمَّن احتَكَمَ لِغَيرِ شَرْعِ الله تعالى، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً﴾.

ثمَّ قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾.

فقد وَصَفَ اللهُ تعالى هؤلاءِ بأنَّهُم يُريدونَ أن يَتَحاكَموا إلى الطَّاغوت، وإذا دُعوا إلى الله ورَسولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم صَدُّوا وأعرَضُوا.

ثمَّ أقسَمَ ربُّنا عزَّ وجلَّ بأنَّ الإيمانَ لا يَصلُحُ إلا بأُمورٍ ثَلاثَةٍ:

1ـ أن يَكونَ التَّحاكُمُ في كُلِّ نِزاعٍ إلى رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

2ـ أن يَنشَرِحَ الصَّدْرُ لِحُكمِهِ، ولا يَكونَ في نَفسِهِ حَرَجٌ وضِيقٌ منهُ.

3ـ أن يُسَلِّمَ المُؤمِنُ التَّسليمَ التَّامَّ بِقَبولِ ما حَكَمَ اللهُ تعالى بهِ بِدونِ تَوَقُّفٍ ولا تَوانٍ ولا انحِرافٍ.

ثانياً: وَرَدَت آياتٌ في كِتابِ الله عزَّ وجلَّ تَحكُمُ بِكُفرِ وظُلمِ وفِسقِ من لم يَحكُم بما أنزَلَ اللهُ تعالى، فقال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون﴾. وقال: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾. وقال: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾.

هذهِ الأصنافُ الثَّلاثَةُ تَتَنَزَّلُ على مَوصوفٍ واحِدٍ، بِمَعنى أنَّ كُلَّ من لم يَحكُم بما أنزَلَ اللهُ تعالى فهوَ كافِرٌ ظالِمٌ فاسِقٌ، لأنَّ اللهَ تعالى وَصَفَ الكافِرينَ بالظُّلمِ والفِسقِ، فقال تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُون﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَفَرُوا بالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُون﴾. فَكُلُّ كافِرٍ ظالِمٌ فاسِقٌ، ولا عكسَ.

وبناء على ذلك:

 فمن حَكَمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ تعالى استِخفافاً أو احتِقاراً أو اعتِقاداً أنَّ غَيرَهُ أصلَحُ منهُ وأنفَعُ، فهوَ كافِرٌ كُفراً مُخرِجاً عن المِلَّةِ، وهذا تَنطَبِقُ عَلَيهِ الأوصافُ الثَّلاثَةُ؛ الكُفرُ والظُّلمُ والفِسقُ.

أمَّا من حَكَمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ تعالى وهوَ لم يَستَخِفَّ بما أنزَلَ اللهُ تعالى ولم يَحتَقِرْهُ ولم يَعتَقِدْ بِوُجودِ غَيرِهِ أصلَحَ منهُ وأنفَعَ، إنَّما حَكَمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ تعالى انتِقاماً لِنَفسِهِ فهذا ليسَ بِكافِرٍ، بل هوَ ظالِمٌ لِنَفسِهِ.

وكذلكَ من حَكَمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ تعالى بِدونِ استِخفافٍ منهُ بما أنزَلَ اللهُ تعالى، وبِدونِ احتِقارٍ لهُ، ولا اعتِقادِ أنَّ غَيرَهُ أصلَحُ، إنَّما حَكَمَ مُحاباةً للمَحكومِ أو مُراعاةً لِرِشوَةٍ وغَيرِهِما، فهذا ليسَ بِكافِرٍ، بل هوَ فاسِقٌ.

فالأمرُ يَختَلِفُ من رَجُلٍ لآخَرَ، وفي كُلِّ الأحوالِ لا خَيرَ في الاحتِكامِ لِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ تعالى، لأنَّ الحاكِمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ تعالى إمَّا يَدخُلُ جَهَنَّمَ دُخولَ الخالِدينَ فيها بِسَبَبِ استِخفافِهِ واحتِقارِهِ شَرْعَ الله تعالى، وإمَّا أنَّهُ لا يَدخُلُ الجَنَّةَ دُخولاً أوَّلِيَّاً معَ الفائِزينَ بِسَبَبِ ظُلمِهِ وفِسقِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
43633 مشاهدة