أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

8425 - حكم الكذب في المزاح

26-10-2017 2715 مشاهدة
 السؤال :
هل يجوز التكلم بالفكاهة والنكتة لإضحاك الناس؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8425
 2017-10-26

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: الفُكَاهَةُ وَالنُّكْتَةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ المُزَاحِ، وَكَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُمَازِحُ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا ـ وفي رِوَايَةٍ: إِنَّكَ تَمْزَحُ مَعَنَا ـ.

قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقَّاً».

ثانياً: اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الكَذِبَ في المُزَاحِ حَرَامٌ، كَالكَذِبِ في غَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ، حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ فِي المُزَاحَةِ، وَيَتْرُكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ صَادِقَاً» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَمْزَحُ وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقَّاً» رواه الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وروى الترمذي عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ فَيَكْذِبُ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ».

وبناء على ذلك:

فَالفُكَاهَةُ وَالنُّكْتَةُ مِنْ قَوْلٍ أَو فِعْلٍ لِإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى النَّفْسِ، يُنْظَرُ في المَقْصُودِ مِنْهَا وفي أُسْلُوبِهَا، فَإِنْ كَانَ المَقْصُودُ بِهَا الاسْتِهْزَاءَ أَو التَّحْقِيرَ فَلَا تَجُوزُ شَرْعَاً، لِأَنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَإِنْ كَانَ في أُسْلُوبِهَا الكَذِبُ فَلَا تَجُوزُ كَذَلِكَ، للوَعِيدِ الذي قَالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ فَيَكْذِبُ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ».

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ القَصْدُ مِنْهَا الاسْتِهْزَاءَ وَالسُّخْرِيَةَ وَالتَّحْقِيرَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا كَذِبٌ فَلَا حَرَجَ في ذَلِكَ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُمَازِحُ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي التَّمَادِي في ذَلِكَ، حَتَّى لَا يَجُرَّهُ ذَلِكَ إلى مُحَرَّمٍ شَرْعَاً، وَكَانَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَنْ كَثُرَ ضَحِكُهُ قَلَّتْ هَيْبَتُهُ، وَمَنْ كَثُرَ مزَاحُهُ اسْتُخِفَّ بِهِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ، وَمَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ. رواه البيهقي.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَالْمِزَاحَ؛ فَإِنَّهَا تَجُرُّ إِلَى الْقَبِيحِ، وَتُورِثُ الضَّغِينَةَ، وَتَجَالَسُوا بِالْقُرْآنِ، وَتَحَدَّثُوا بِهِ، فَإِنْ ثَقُلَ عَلَيْكُمْ فَحَدِيثٌ مِنْ حَدِيثِ الرِّجَالِ حَسَنٌ. رواه ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.

وَيَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: قَالَ العُلَمَاءُ: المُزَاحُ المَنْهِيُّ عَنْهُ، هُوَ الذي فِيهِ إِفْرَاطٌ، وَيُدَاوَمُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الضَّحِكَ وَقَسْوَةَ القَلْبِ، وَيُشْغِلُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ تعالى وَالفِكْرِ في مُهِمَّاتِ الدِّينِ، وَيَؤُولُ في كَثِيرٍ مِنَ الأَوْقَاتِ إلى الإِيذَاءِ، وَيُورِثُ الأَحْقَادَ، وَيُسْقِطُ المَهَابَةَ وَالوَقَارَ.

فَأَمَّا مَا سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ، فَهُوَ المُبَاحُ الذي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ في نَادِرٍ مِنَ الأَحْوَالِ لِمَصْلَحَةٍ، وَتَطْيِيبِ نَفْسِ المُخَاطَبِ وَمُؤَانَسَتِهِ، وَهَذَا لَا مَانْعَ مِنْهُ قَطْعَاً، بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2715 مشاهدة