أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

6086 - وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ

07-01-2014 29241 مشاهدة
 السؤال :
يقول الله تعالى: {وَجَعَلُوا لله شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون}. فما معنى: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ}؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6086
 2014-01-07

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقولُ ابنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في تَفسيرِ هذهِ الآيَةِ:

هذا رَدٌّ على المُشرِكينَ الذينَ عَبَدوا معَ الله غَيرَهُ، وأشرَكوا في عِبادَةِ الله أنْ عَبَدوا الجِنَّ، فَجَعَلوهُم شُرَكاءَ الله في العِبادَةِ، تَعالى اللهُ عن شِركِهِم وكُفرِهِم.

فإن قِيلَ: فَكَيفَ عُبِدَتِ الجِنُّ وإنَّما كانوا يَعبُدونَ الأصنَامَ؟

فَالجَوابُ: أنَّهُم إنَّما عَبَدوا الأصنَامَ عن طَاعَةِ الجِنِّ وأمرِهِم إيَّاهُم بذلكَ، كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيَّاً مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُوراً﴾. وقال تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾. وقالَ إبرَاهيمُ لأبيهِ: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيَّاً﴾. وقال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾. وتَقولُ المَلائِكَةُ يَومَ القِيامَةِ: ﴿سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَل كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾.

ولهذا قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لله شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ﴾ أي: وقد خَلَقَهُم، فهوَ الخَالِقُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، فَكَيفَ يُعبَدُ مَعَهُ غَيرُهُ، كما قالَ إبرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾.

ومَعنَى الآيَةِ: أنَّهُ سُبحانَهُ وتَعالى هوَ المُستَقِلُّ بالخَلْقِ وَحْدَهُ؛ فلهذا يَجِبُ أن يُفْرَدَ بالعِبادَةِ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ.

وقَولُهُ تعالى: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ يُنَبِّهُ به تعالى على ضَلالِ من ضَلَّ في وَصْفِهِ تعالى بأن لَهُ وَلَداً، كما يَزعُمُ من قَالَهُ من اليَهودِ في العُزَيرِ، ومن قالَ من النَّصارى في المَسيحِ، وكما قالَ المُشرِكونَ من العَرَبِ في المَلائِكَةِ: إنَّها بَناتُ الله، تَعالى اللهُ عمَّا يَقولونَ عُلُوَّاً كَبيراً.

ومَعنى قَولِهِ تعالى: ﴿وَخَرَقُوا﴾ أي: واختَلَقُوا وائتَفَكوا، وَتَخَرَّصوا وكَذَبوا، كما قَالَهُ عُلَماءُ السَّلَفِ.

قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طَلحَةَ: عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: ﴿وَخَرَقُوا﴾ يعني: أنَّهُم تَخَرَّصُوا.

وبناء على ذلك:

فالآيَةُ رَدٌّ على المُشرِكينَ الذينَ جَعَلوا لله شُرَكاءَ يَدعونَهُم ويَعبُدونَهُم من الجِنِّ والمَلائِكَةِ الذينَ هُم خَلْقٌ من خَلْقِ الله تعالى، ولَيسَ فيهِم من خَصائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ والأُلوهِيَّةِ شَيءٌ.

وتُكَذِّبُ المُشرِكينَ الذينَ ائتَفَكوا وافتَرَوا من تِلقاءِ أنفُسِهِم لله بَنينَ وبَناتٍ بِغَيرِ عِلمٍ منهُم، ومن أظلَمُ مِمَّن قالَ على الله تعالى بِغَيرِ عِلمٍو وافتَرى عَلَيهِ أشنَعَ النَّقصِ الذي يَجِبُ تَنزيهُ الله تعالى عنهُ ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِباً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
29241 مشاهدة